الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَهْدِ }: قرأ الجمهور " يَهْدِ " بالياء من تحت. وفي فاعله حينئذ ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه المصدر المؤول من " أنْ " وما في حَيِّزها، والمفعولُ محذوفٌ والتقدير: أو لم يَهْدِ أي: يبيِّن ويوضِّح للوارثين مآلهم وعاقبةَ أمرهم وإصابتنا إياهم بذنوبهم لو شِئْنا ذلك، فقد سَبَكْنا المصدر من " أنْ " ومن جواب لو. الثاني. أنَّ الفاعلَ هو ضميرُ اللهِ تعالى أي: أو لم يبيِّن الله، ويؤيده قراءةُ مَنْ قرأ " نَهْدِ " بالنون. الثالث: أنه ضميرٌ عائد على ما يُفْهَمُ مِنْ سياق الكلام أي: أو لم يَهْدِ ما جَرَى للأممِ السابقة كقولهم: " إذا كان غداً فَأْتني " أي: إذا كان ما بيني وبينك مما دلَّ عليه السياق. وعلى هذين الوجهين فـ " أنْ " وما في حيِّزها بتأويل مصدر كما تقدَّم في محلِّ المفعول والتقدير: أو لم يُبَيِّن ويوضح الله أو ما جَرَى للأمم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك.

وقرأ مجاهد " نَهْدِ " بنون العظمة و " أنْ " مفعول فقط، و " أنْ " هي المخففةُ من الثقيلة، " ولو " فاصلةٌ بينها وبين الفعل، وقد تقدَّم أن الفصلَ بها قليلٌ. و " نشاء " وإن كان مضارِعاً لفظاً فهو ماضٍ معنىً؛ لأنَّ " لو " الامتناعيةَ تخلِّصُ المضارع للمضيّ. وفي كلامِ ابنِ الأنباري خلافُه فإنه قال في " ونطبعُ ": " هذا فعلٌ مستأنف ومنقطع مما قبله، لأنَّ قولَه " أَصَبْنا " ماضٍ و " نَطْبع " مستقبل ثم قال: " ويجوز أن يكونَ معطوفاً على " أَصَبْنا " إذ كان بمعنى نُصيب، والمعنى: لو يشاء يصيبهم ويطبع، فَوَضَع الماضي موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال كقوله تعالى:إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ } [الفرقان: 10] أي: يجعل، بدليل قوله " ويجعل لك ". قلت: فهذا ظاهرٌ قويٌّ في أنَّ " لو " هذه لا تخلِّصُ المضارع للمضيّ، وتنظيرُه بالآيةِ الأخرى مُقَوٍّ له أيضاً، وسيأتي تحقيق ذلك عند قوله " ونطبع ".

وقال الفراء: " وجاز أن تَرُدَّ " يَفْعل " على فَعَلَ في جواب " لو " كقوله:وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ } [يونس: 11] قوله: " فَنَذَرُ " مردودٌ على " لقُضِي ". قلت: وهذا هو قول الجمهور، ومفعولُ " يشاء " محذوفٌ لدلالة جواب " لو " عليه، والتقدير: لو يشاء تعذيبَهم أو الانتقامَ منهم. وأتى/ جوابُها بغير لام وإن كان مبنيَّاً على أحد الجائزين، وإن كان الأكثرُ خلافَه، كقوله تعالى:لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [الواقعة: 70].

السابقالتالي
2