الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } * { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ }

قوله: { مَّهِينٍ هَمَّازٍ }: تقدَّم تفسيرُ مهين في الزخرف. والهمَّازُ: مثالُ مبالغةٍ مِنْ الهَمْزِ وهو في اللغةِ الضَرْبُ طعناً باليدِ والعَصا ونحوِها، واسْتُعير للعَيَّاب الذي يَعيب على الناسِ كأنه يَضْرِبُهم. والنَّميم قيل: مصدرٌ كالنميمة. وقيل: هو جَمْعُها، أي: اسمُ جنسٍ كتمرة وتَمر. وهو نَقْلُ الكلامِ الذي يسوء سامعَه ويُحَرِّشُ بين الناس. وقال الزمخشري: " والنميمُ والنَّميمة السِّعايةُ وأنشدني بعضُ العرب:
4292ـ تَشَبَّبي تَشَبُّبَ النَّميمهْ   تَمشْي بها زَهْراً إلى تميمهْ
والمَشَّاء: مثالُ مبالغةٍ مِنْ المَشْيِ، أي: يُكْثِرُ السِّعايةَ بين الناس. والعُتُلُّ: الذي يَعْتِلُ الناسَ، أي: يَحْملهم ويَجُرُّهم إلى ما يَكْرهون مِنْ حبسٍ وضَرْبٍ. ومنهخُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ } [الدخان: 47]. وقيل: العُتُلُّ: الشديد الخُصومة. وقال أبو عبيدة: " هو الفاحِشُ اللئيم، وأنشد:
4293ـ بعُتُلٍّ مِنْ الرِّجالِ زَنِيمٍ   غيرِ ذي نَجْدةٍ وغيرِ كريمِ
وقيل ": الغليظُ الجافي. ويقال: عَتَلْتُه وعَتَنْتُه باللام والنونِ، نَقَله يعقوب. والزنيم: الدَّعِيُّ يُنْسَبُ إلى قومٍ ليس منهم. قال حسان:
4294ـ زَنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادةً   كما زِيْدَ في عَرْضِ الأديمِ الأكارِعُ
وقال أيضاً:
4295ـ وأنتَ زَنيمٌ نِيْطَ في آل هاشمٍ   كما نِيْطَ خلفَ الرَّاكبِ القَدَحُ الفَرْدُ
وأصلُه مِنْ الزَّنَمَةِ: وهي ما بقي مِنْ جلْدِ الماعز مُعَلَّقاً في حِلَقِها يُتْرَكُ عند القَطْع فاستعير للدَّعِيِّ لأنه كالمُعَلَّقِ بما ليس منه. وقرأ الحسنُ " عُتُلٌّ " بالرفع على: هو عُتُلٌّ. وحقُّه أَنْ يُقْرَأَ ما بعدَه بالرفع أيضاً، لأنهم قالوا في القَطْع: إنه يبدأ بالإِتباع ثم بالقطع مِنْ غير عكسٍ. وقوله " بعد ذلك " ، أي: بعدما وَصَفْناه به. قال ابن عطية: " فهذا الترتيبُ إنما هو في قولِ الواصفِ لا في حصولِ تلك الصفاتِ في المصوفِ، وإلاَّ فكونُ عُتُلاً هو قبل/ كونِه صاحبَ خير يمنعُه ". وقال الزمخشري: " بعد ذلك، بعد ما عُدَّ له مِنْ المثالبِ والنقائصِ " ، ثم قال: " جَعَلَ جفاءَه ودَعْوَتَه أشدَّ مُعايَبةً؛ لأنه إذا غَلُظَ وجفا طَبْعُه قسَا قلبُه واجْتَرَأَ على كلِّ معصيةٍ ".