قوله: { رَّسُولاً }: فيه أوجهٌ، أحدُها ـ وإليه ذهب الزجَّاج والفارسي ـ أنه منصوبٌ بالمصدرِ المنونِ قبلَه؛ لأنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدري وفعلٍ، كأنه قيل: أن ذَكرَ رسولاً، والمصدرُ المنوَّنُ عاملٌ كقولِه تعالى:{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [البلد: 14] وقولِه:
4275ـ بضَرْبٍ بالسيوفِ رؤوسَ قَوْمٍ
أَزَلْنا هامَهُنَّ عن المَقيلِ
الثاني: أنَّه جُعِل نفسُ الذِّكْرِ مبالغةً فأُبْدِل منه. الثالث: أنَّه بدلٌ منه على حَذْفِ مضافٍ مِنْ الأول تقديرُه: أنزل ذا ذكرٍ رسولاً. الرابع: كذلك، إلاَّ أنَّ " رسولاً " نعت لذلك المحذوف. الخامس: أنه بدلٌ منه على حَذْفِ مضافٍ مِنْ الثاني، أي: ذِكْراً ذِكْرَ رسول. السادس: أَنْ يكونَ " رسولاً " نعتاً لـ ذِكْراً على حَذْفِ مضاف، أي: ذِكْراً ذا رسولٍ، فـ " ذا رسول " نعتٌ لذِكْر. السابع: أَنْ يكونَ " رسولاً " بمعنى رسالة، فيكونَ " رسولاً " بدلاً صريحاً مِنْ غير تأويل، أو بياناً عند مَنْ يرى جَرَيانه في النكراتِ كالفارسيِّ، إلاَّ أنَّ هذا يُبْعِدُه قولُه: " يَتْلُو عليكم " ، لأنَّ الرسالةَ لا تَتْلوا إلاَّ بمجازٍ، الثامن، أَنْ يكونَ " رسولاً " منصوباً بفعلٍ مقدر، أي: أرسل رسولاً لدلالةِ ما تقدَّمَ عليه. التاسع: أَنْ يكونَ منصوباً على الإِغراء، أي: اتبِعوا والزَمُوا رسولاً هذه صفتُه. واختلف الناس في " رسولاً " هل هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو القرآنُ نفسُه، أو جبريلُ؟ قال الزمخشري: " هو جبريلُ عليه السلام " أُبْدِل مِنْ " ذِكْراً " لأنه وُصِف بتلاوةِ آياتِ اللَّهِ، فكأنَّ إنزالَه في معنى إنزالِ الذِّكْرِ فصَحَّ إبدالُه منه ". قال الشيخ: " ولا يَصِحُّ لتبايُنِ المدلولَيْنِ بالحقيقة، ولكونِه لا يكونَ بدلَ بعضٍ ولا بدلَ اشتمال " انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشريُّ سبقه إليه الكلبيُّ. وأمَّا اعتراضُه عليه فغيرُ لازمٍ لأنه إذا بُوْلِغَ فيه حتى جُعِل نفسَ الذِّكْر كما تقدَّم بيانُه. وقُرىء " رسولٌ " على إضمار مبتدأ، أي: هو رسول. قوله: { لِّيُخْرِجَ } متعلِّقٌ إمَّا بـ " أَنْزَل " ، وإمَّا بـ " يَتْلو " وفاعِلُ يُخْرِج: إمَّا ضميرُ الباري تعالى المنَزِّل، أو ضميرُ الرسولِ، أو الذِّكرِ، و " مَنْ يُؤْمِنْ " هذا أحدُ المواضعِ التي رُوْعي فيها اللفظُ أولاً، ثم المعنى ثانياً، ثم اللفظُ آخِراً، وقد تقدَّم ذلك في المائِدة. وقد تأوَّلَ بعضُهم هذه الآية [وقال: ليس قولُه " خالدين " فيه ضميرٌ عائدٌ على " مَنْ " إنما يعود على مفعولِ " يُدْخِلْه " ، و " خالدين " حالٌ منه، والعاملُ فيها " يُدْخِلْه " لا فِعْلُ الشرطِ]. هذه عبارةُ الشيخِ، وفيها نظرٌ؛ لأنَّ " خالدين " حالٌ مِنْ مفعول " يُدْخِلْه " عند القائلين بالقول الأول، وكأنَّ إصلاحَ العبارة أَنْ يقالَ: حالٌ مِنْ مفعولِ " يُدْخِلْه " الثاني، وهو " جناتٍ " والخلودُ في الحقيقةِ لأصحابِها، وكان ينبغي على رأي البصريين أن يقال: خالدين هم فيها، لجريان الوصفِ على غير مَنْ هو له. قوله: { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ } حالٌ ثانيةٌ، أو حال مِنْ الضمير في " خالدين " فتكونُ متداخلةً./