قوله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا }: فيه التفاتٌ من غَيْبة إلى تكلم بنون العظمة، والباء في " به " للسببية، وقوله { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } قيل: المراد كل ما تسمَّى نباتاً في اللغة. وقال الفراء: " رزق كل شيء أي: ما يصلحُ أن يكون غذاءً لكل شيء فيكون مخصوصاً بالمتغذَّى به ". وقال الطبري: " هو جميع ما ينمو من الحيوان والنبات والمعادن؛ لأنَّ كل ذلك يتغذَّى بالماء " ويترتب على ذلك صناعة إعرابية، وذلك أنَّا إذا قلنا بقولٍ غيرِ الفراء كانت الإضافة راجعةً في المعنى إلى إضافة شبه الصفة لموصوفها، إذ يصير المعنى على ذلك: فأخرَجْنا به كلَّ شيء منبَت فإن النبات بمعنى المُنْبَت، وليس مصدراً كهو في{ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17] وإذا قلنا بقول الفراء كانت الإِضافة إضافةً بين متباينين، إذ يصير المعنى: غذاء كل شيء أو رزقه، ولم ينقل الشيخ عن الفراء غيرَ هذا القول، والفراء له في هذه الآية القولان المتقدمان فإنه قال: " رزق كل شيء " قال: " وكذا جاء في التفسير وهو وجه الكلام، وقد يجوز في العربيَّة أن تضيف النبات إلى كل شيء، وأنت تريد بكل شيء النبات أيضاً، فيكون مثل قوله{ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة: 95] واليقين هو الحق ". قوله: { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ } في الهاء وجهان أحدهما: أن تعود على النبات وهذا هو الظاهر ولم يذكر الزمخشري غيره، وتكون " مِنْ " على بابها مِنْ كونها لابتداء الغاية أو تكون للتبعيض، وليس بذلك. والثاني: أن تعود على الماء وتكون " مِنْ " سببية، وذكر أبو البقاء الوجهين فقال: " وأخرجنا منه أي: بسببه. ويجوز أن تكون الهاء في " منه " راجعة على النبات وهو الأشبه، وعلى الأول يكون " فأخرجنا " بدلاً من " أخرجنا " الأول ". أي إنه يُكتفى في المعنى بالإِخبار بهذه الجملة الثانية وإلا فالبدل الصناعي لا يظهر، والظاهر أنَّ " فأخرجنا " عطف على " فأخرجنا " الأول. وقال الشيخ: " وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلاً مِنْ فأخرجنا ". قلت: إنما جعله بدلاً بناء على عود الضمير في " منه " على الماء فلا يصحُّ أن يحكى عنه أنه جعله بدلاً مطلقاً؛ لأن البدلية لا تُتَصَوَّرُ على جعل الهاء في " منه " عائدة على النبات. والخَضِر بمعنى الأخضر كَعَوِر وأعور. قال أبو إسحاق " يقال اخضَرَّ يخضرُّ فهو خَضِر وأخضر كاعوَّر فهو عَوِرٌ وأعورُ " والخُضْرة أحدُ الألوان وهي بين البياض والسواد لكنها إلى السواد أقرب، ولذلك أُطلق الأسود على الأخضر وبالعكس، ومنه " سَواد العراق " لخضرة أرضه بالشجر.