الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

وقوله تعالى: { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }: كقوله: " فالق الحب " فيما تقدم. والجمهور على كسر الهمزة وهو المصدر، يقال: أصبح يصبح إصباحاً، وقال الليث والزجاج: إن الصبح والصباح والإِصباح واحد، وهما أول النهار، وكذا الفراء. وقيل: الإِصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقيل: هو إضاءة الفجر، نُقل ذلك عن مجاهد، والظاهر أن الإِصباح في الأصل مصدر سُمِّي به الصبح وكذا الإِمساء، قال امرؤ القيس:
2005ـ ألا أيها الليلُ الطويلُ ألا انْجَلِ   بصبحٍ وما الإِصباح منك بأمثلِ
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعيسى بن عمر: الأصباح: بفتح الهمزة وهو جمع صُبْح نحو: قُفْل وأقفال وبُرْد وأبراد، وينشد قوله:
2006ـ أفنى رياحاً وبني رياحِ   تناسخُ الأمساءِ والأصباح
بفتح الهمزة من الأمساء والأصباح على أنهما جمع مُسْي وصُبْح، وبكسرها على أنهما مصدران. وقرئ/ " فالقُ الإِصباحَ " بنصب الإِصباح وذلك على حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقوله:
2007ـ.................   ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا
وقرئ: { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } [الحج: 35] و { لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابَ } [الصافات: 38] بالنصب حملاً للنون على التنوين، إلا أن سيبويه لا يجيز حذف التنوين لالتقاء الساكنين إلا في شعر، وقد أجازه المبرد في السَّعة. وقرأ يحيى والنخعي وأبو حيوة: " فلق " فعلاً ماضياً، وقد تقدم أن عبد الله قرأ الأولى كذلك، وهذا أدلُّ دليلٍ على أن القراءة عندهم سنة متبعة، ألا ترى أن عبد الله كيف قرأ " فلق الحب " فعلاً ماضياً، وقرأ " فالق الأَصباح " ، اسمَ فاعل، والثلاثة المذكورون بعكسه. قال الزمخشري: " فإن قلت: فما معنى فَلَق الصبح، والظلمة هي التي تنفلق عن الصبح كما قال:
2008ـ...............   تَفَرِّيَ ليلٍ عن بياض نهار
قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يُراد: فالق ظلمة الإِصباح، يعني أنه على حذف مضاف. والثاني: أن يراد فالق الإِصباح الذي هو عمود الفجر عن بياض النهار وإسفاره، وقالوا: انشق عمود الفجر وانصدع، وسَمَّوا الفجرَ فَلَقاً بمعنى مفلوق، قال الطائيُ:
2009ـ وأزرقُ الفجر يبدو قبل أبيضه   ................
وقرئ: فالق وجاعل بالنصب على المدح ". انتهى. وأنشد غيره:
2010ـ فانشقَّ عنها عمودُ الفَجْرِ جافلةً   عَدْوَ النَّحوص تخافُ القانِصَ اللَّحِما
قوله: { وَجَاعِلَ ٱلْلَّيْلَ } قرأ الكوفيون: " جعل " فعلاً ماضياً، والباقون بصيغة اسم الفاعل، والرسم يحتملهما، والليل منصوب عند الكوفيين بمقتضى قراءتهم، ومجرور عند غيرهم، ووجه قراءتهم له فعلاً مناسبته ما بعده فإن بعده أفعالاً ماضية نحو:جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ } [الأنعام: 97]وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم } [الأنعام: 98] إلى آخر الآيات، ويكون " سكناً ": إما مفعولاً ثانياً على أن الجعل بمعنى التصيير، وإمَّا حالاً على أنه بمعنى الخلق، وتكون الحال مقدرة.

السابقالتالي
2 3