الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }

قوله تعالى: { كَذِباً }: فيه أربعة أوجه، أحدها: أنه مفعول " افترى " أي: اختلقَ كَذِباً وافتعله. الثاني: أنه مصدرٌ له على المعنى أي: افترى افتراءً، وفي هذا نظر؛ لأنَّ المعهود في مثل ذلك إنما هو فيما كان المصدر فيه نوعاً من الفعل نحو: " قعد القرفصاء " أو مرادفاً له كـ " قعدت جلوساً " أمَّا/ ما كان المصدر فيه أعمَّ من فعله نحو: افترى كذباً وَتَقَرْفَصَ قعوداً، فهذا غيرُ معهود إذ لا فائدة فيه، والكذبُ أعمُّ من الافتراء، وقد تقدم تحقيقه. الثالث: أنه مفعول من أجله أي: افترى لأجل الكذب. الرابع: أنه مصدر واقع موقع الحال أي: افترى حال كونه كاذباً وهي حال مؤكدة. وقوله " أو قال " عطف على افترى، و " إلى " في محل رفع لقيامه مقام الفاعل. وجَوَّز أبو البقاء أن يكون القائم مقام الفاعل ضمير المصدر قال: " تقديره: أُوحي إليَّ الوحيُ أو الإِيحاء " ، والأول أولى؛ لأن فيه فائدةً جديدة بخلاف الثاني فإن معنى المصدر مفهوم من الفعل قبله.

قوله: { وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } جملة حالية، وحُذِف الفاعل هنا تعظيماً له لأنَّ الموحي هو الله تعالى. وقوله: " ومن قال " مجرور المحل لأنه نَسَقٌ على " مَنْ " المجرور بـ مِنْ أي: وممَّن قال. وقد تقدَّم نظير هذا الاستفهام في البقرة، وهناك سؤال وجوابه. وقرأ أبو حيوة: " سَأُنَزِّل " مضعفاً. وقوله: " مثلَ " يجوز فيه وجهان أحدهما: أنه منصوبٌ على المفعول به أي: سأنزل قرآناً مثل ما أنزل الله، و " ما " على هذا موصولة اسمية أو نكرة موصوفة أي: مثل الذي أنزله أو مثل شيء أنزله. والثاني: أن يكون نعتاً لمصدر محذوف تقديره: سأنزل إنزالاً مثل ما أنزل الله، و " ما " على هذا مصدرية أي: مثل إنزال الله، و " إذ " منصوبٌ بـ " ترى " ، ومفعول الرؤية محذوف أي: ولو ترى الكفار أو الكذَبة، ويجوز أن لا يُقَدَّر لها مفعول أي: ولو كنت من أهل الرؤية في هذا الوقت، وجواب " لو " محذوف أي: لَرَأَيْتَ أمراً عظيماً. و " الظالمون " يجوز أن تكون فيه أل للجنس، وأن تكون للعهدِ، والمراد بهم مَنْ تقدَّم ذكرُه من المشركين واليهود والكذَبَة المفترين.

و { فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } خبر المبتدأ، والجملة في محل خفض بالظرف. والغَمَرات: جمع غَمْرة وهي الشدة المفظعة، وأصلها مِنْ غَمَرَهُ الماء إذا ستره، كأنها تستر بغمِّها وتنزل به، قال:
1982ـ ولا يُنْجي من الغَمَراتِ إلاَّ   بَرَاكاءُ القتالِ أو الفرارُ
وتجمع على غُمَر كعَمْرة وعُمَر، قال:

السابقالتالي
2