الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }

قوله تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }: فيه دليل على/ تقدُّم الصفة غير الصريحة على الصريحة. وأجيب عنه بأن " مبارك " خبر مبتدأ مضمر، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في قولهبِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ } [المائدة: 54]، وقال مكي، " مصدِّقُ الذي " نعت للكتاب على حذف التنوين لالتقاء الساكنين، و " الذي " في موضع نصب، وإن لم يُقَدَّرْ حذفُ التنوين كان " مصدق " خبراً بعد خبر، و " الذي " في موضع خفض ". وهذا الذي قاله غلطٌ فاحش، لأن حذف التنوين إنما هو للإِضافة اللفظية وإن كان اسم الفاعل في نيَّة الانفصال، وحَذْفُ التنوين لالتقاء الساكنين إنما يكون في ضرورة أو ندور كقوله:
1980ـ...............   ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا
والنحويون كلُّهم يقولون في " هذا ضاربُ الرجلِ ": إن حذف التنوين للإِضافة تخفيفاً، ولا يقول أحدٌ منهم في مثل هذا: إنه حُذِفَ التنوين لالتقاء الساكنين. وقَدَّم وَصْفَه بالإِنزال على وَصْفِه بالبركة بخلاف قولهوَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [الأنبياء: 50] قالوا: لأن الأهمَّ هنا وصفُه بالإِنزال إذ جاء عقيب إنكارهم أن يُنَزِّل الله على بشر مِنْ شيء بخلاف هناك، ووقعت الصفة الأولى جملةً فعلية، لأن الإِنزال يتجدَّد وقتاً فوقتاً والثانية اسماً صريحاً، لأنَّ الاسمَ يدلُّ على الثبوت والاستقرار، وهو مقصود هنا أي: بركته ثابتة مستقرة، و " مصدِّق " صفة أيضاً أو خبر بعد خبر على القول بأن مبارك خبر لمبتدأ مضمر، ووقع صفةً للنكرة لأنه في نيَّة الانفصال كقوله:هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [الأحقاف: 24] [وقوله]:
1981ـ يا رُبَّ غابِطنا لو كان يعرِفُكم   ..............
وقال الواحدي: " ومبارك " خبر الابتداء فُصِل بينهما بالجملة، والتقدير: وهذا كتاب مبارك أنزلناه، كقوله:وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [الأنبياء: 50] وهذا الذي ذكره لا يَتَمشَّى إلا على أنَّ قولَه " مبارك " خبر ثانٍ لـ " هذا " ، وهذا بعيدٌ جداً، وإذا سُلِّم ذلك فيكون " أنزلناه " عنده اعتراضاً على ظاهر عبارته، ولكن لا يُحتاج إلى ذلك، بل يجعل " أنزلناه " صفة لـ " كتاب " ، ولا محذورَ حينئذٍ على هذا التقدير، وفي الجملة فالوجهُ ما قَدَّمْتُه لك من الإِعراب.

قوله: " ولتنذرَ " قرأ الجمهور بتاء الخطاب للرسول عليه السلام، وأبو بكر عن عاصم بياء الغيبة والضمير للقرآن، وهو الظاهر أي: ينذر بمواعظه وزواجره، ويجوز أن يعود على الرسول عليه السلام للعلمِ به. وهذه اللام فيها وجهان، أحدهما: هي متعلقة بـ " أنزلنا " عطفاً على مقدر، فقدَّره أبو البقاء: " ليؤمنوا ولتنذر " ، وقدره الزمخشري فقال: " ولتنذر " معطوف على ما دلَّ عليه صفةُ الكتاب كأنه قيل: أنزلناه للبركات ولتصديق ما تَقَدَّمه من الكتب والإِنذار ".

السابقالتالي
2