الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }

قوله تعالى: { حَقَّ قَدْرِهِ }: منصوبٌ على المصدر وهو في الأصل صفة للمصدر، فلما أُضيف الوصف إلى موصوفه انتصب على ما كان ينتصب عليه موصوفه، والأصل: قَدْره الحق كقولهم: جَرْدُ قطيفة وسحق عمامة. وقرأ الحسن البصري وعيسى الثقفي: جَرْد قطيفة وسحق عمامة. وقرأ الحسن البصري وعيسى الثقفي: " قدَّروا " بتشديد الدال، " قَدَره " بتحريكها، وقد تقدَّم أنهما لغتان.

وقوله: " إذ قالوا " منصوب بـ " قَدَروا " وجعله ابن عطية منصوباً بقَدْره، وفي كلام ابن عطية ما يُشْعر بأنها للتعليل. و " من شيء " مفعول به زيدت فيه " مِنْ " لوجودِ شَرْطي الزيادة. قوله: " نوراً " منصوب على الحال وفي صاحبه وجهان، أحدهما: أنه الهاء في " به " فالعامل فيها " جاء ". والثاني: أنه الكتاب، فالعامل فيه " أنزل " و " للناس " صفة لـ " هدى ".

قوله: " تَجْعلونه " يقرؤه ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة، وكذلك " يُبْدونها " و " يُخْفون " ، والباقون بتاء الخطاب في ثلاثة الأفعال، فأمَّا الغيبةُ فللحَمْل على ما تقدَّم من الغيبة في قوله: " وما قدروا " إلى آخره، وعلى هذا فيكون في قوله: " وعُلِّمْتُم " تأويلان أحدهما: أنه خطاب لهم أيضاً وإنما جاء به على طريقة الالتفات. والثاني: أنه خطاب للمؤمنين اعترض به بين الأمر بقوله: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ } وبين قوله { قُلِ ٱللَّهُ }.

وأمَّا قراءةُ تاءِ الخطاب ففيها مناسبةٌ لقوله { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ } ورجَّحها مكي وجماعةٌ لذلك، قال مكي: " وذلك أحسن في المشاكلة والمطابقة واتصال بعض الكلام ببعض، وهو الاختيار لذلك، ولأنَّ أكثر القراء عليه ". قال الشيخ: " ومن قال إن المنكرين العربُ أو كفار قريش لم يمكن جَعْلُ الخطاب لهم بل يكون قد اعترض ببني إسرائيل فقال خلال السؤال والجواب: تَجْعَلُونها قراطيس، ومثل هذا يَبْعُدُ وقوعُه؛ لأنَّ فيه تفكيكاً للنظم حيث جَعَلَ أولَ الكلام خطاباً للكفار وآخره خطاباً لليهود. قال: " وقد أُجيب بأنَّ الجميع لَمَّا اشتركوا في إنكار نبوَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم جاء بعضُ الكلام خطاباً للعرب وبعضه خطاباً لبني إسرائيل ".

قوله: " تَجْعلونه قراطيس " يجوز أن تكون " جعل " بمعنى صيَّر، وأن تكون بمعنى ألقى أي: تضعونه في كاغد. وهذه الجملة في محل نصب على الحال: إمَّا من " الكتاب " ، وإمَّا من الهاء في " به " ، كما تقدم في " نوراً وهدى ".

قوله " قراطيس " فيه ثلاثة [أوجه]، أحدها: أنه على حذف حرف الجر أي: في قراطيس وورق، فهو شبيه بالظرف المبهم فلذلك تَعَدَّى إليه الفعل بنفسه.

السابقالتالي
2