الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قوله تعالى: { ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً }: " اتخذوا " يجوز فيها وجهان، أحدهما: أنها متعدية لواحد على أنها بمعنى اكتسبوا وعملوا، و " لهواً ولعباً " على هذا مفعول من أجله أي: اكتسبوه لأجل اللهو واللعب. والثاني: أنها المتعدية إلى اثنين أوَّلُهما " دينهم " وثانيهما " لعباً ولهواً " قال الشيخ: " ويظهر من بعض كلام الزمخشري وكلام ابن عطية أن " لعباً ولهواً " هو المفعول الأول، و " دينهم " هو المفعول الثاني. قال الزمخشري: " أي: دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به لعباً ولهواً، وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تبحير البحائر وتسويب السوائب من باب اللهو واللعب واتِّباع هوى النفس وما هو من جنس الهَزْل لا الجد، وأو اتخذوا ما هو لعبٌ ولهو من عبادة الأصنام ديناً لهم، أو اتخذوا دينهم الذي كُلِّفوه وهو دين الإِسلام لَعِباً ولهواً حيث سخروا به قال: " فظاهرُ تقديرِه الثاني يدلُّ على ما ذكرنا ".

وقال ابن عطية: " وأضاف الدين إليهم على معنى أنهم جعلوا اللعب واللهو ديناً، ويحتمل أن يكون المعنى: اتخذوا دينهم الذي كان ينبغي لهم لعباً ولهواً، فتفسيره الأول هو ما ذكرناه عنه " انتهى. قلت: وهذا الذي ذكراه إنما ذكراه تفسيرَ معنى لا إعراب، وكيف يَجْعلان النكرةَ مفعولاً أولَ والمعرفةَ معفولاً ثانياً من غير داعية إلى ذلك مع أنهما من أكابر أهل هذا الشأن، وانظر كيف أبرزا ما جعلاه مفعولاً أولَ معرفةً وما جعلاه ثانياً نكرة في تركيب كلامهما ليَخِدوا على كلام العرب فكيف يُظَنُّ بهما أن يجعلا النكر محدَّثاً عنها والمعرفة حديثاً في كلام الله تعالى؟

وقوله: { وَذَكِّرْ بِهِ } أي بالقرآن، يدلُّ له قوله:فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ق: 45] وقيل: يعود على حسابهم. وقيل: على الذين وقيل: هذا ضميرٌ يُفسِّره ما بعده وسيأتي إيضاحُه.

وقوله: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ } تحتمل وجهين. أحدهما: أنها مستأنفةٌ والثاني: أنها عطفٌ على صلةِ الذين أي: الذي اتخذوا وغَرَّتْهُم وقد تقدم معنى الغرور في آخر آل عمران وقيل: هنا غَرَّتهم من " الغَرّ " بفتح العين أي: ملأت أفواههم وأشبعتهم، وعليه قول الشاعر:
1950- ولمَّا التَقَيْنا بالحُلَيْبَةِ غَرَّني   بمعروفِهِ حتى خرجْتُ أفوقُ
قوله: { أَن تُبْسَلَ }: في هذا وجهان، المشهور- بل الإِجماع - على أنه مفعول من أجله وتقديره: مخافة أن تُبْسَل، أو كراهة أن تُبْسَلَ، أو أن لا تبسل والثاني: قال الشيخ: - بعد أن نقل الاتفاق على المفعول من أجله - " ويجوز عندي أن يكون في موضعِ جرِّ على البدل من الضمير، والضميرُ مفسَّرٌ بالبدل، ويُضْمر الإِبسالُ لما في الإِضمار من التفخيم، كما أضمروا ضمير الأمر والشأن، والتقدير: وذكِّرْ بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت كما قالوا: " اللهم صلِّ عليه الرؤوفِ الرحيمِ " وقد أجاز ذلك سيبويه قال: " فإن قلت: " ضربت وضربوني قومك " نصبت، إلا في قول مَنْ قال: أكلوني البراغيث، أوتحملُه على البدل من المضمر.

السابقالتالي
2 3