الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ }

قوله: { وَكَذَّبَ بِهِ }: الهاء في " به " تعود على العذاب المتقدم في قوله { عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قاله الزمخشري، وقيل: تعود على القرآن، وقيل: تعود على الوعيد المتضمن في هذه الآيات المتقدمة. وقيل: على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بعيدٌ لأنه خوطب بالكاف عَقِيبَه، فلو كان كذلك لقال: " وكذَّب به قومك، وادِّعاء الالتفات فيه أبعدُ وقيل: لا بد من حذف صفة هنا أي: وكذَّب به قومك المعاندون، أو الكافرون، لأن قومه كلهم لم يكذِّبوه كقوله:إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [هود: 46]، أي: الناجين. وحَذْفُ الصفة وبقاءُ الموصوف قليل جداً بخلاف العكس. وقرأ ابن عبلة.

{ وكَذِّبَتْ } بتاء التأنيث، كقوله تعالى:كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ } [الشعراء: 105]كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } [القمر: 33]. باعتبار الجماعمة

قوله: { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } في هذه الجملةِ وجهان، الظاهر منهما: أنها استئناف، والثاني: أنها حال من الهاء في " به " أي: كذَّبوا به في حال كونه حقاً، وهو أعزم في القبح.

قوله: { عَلَيْكُمْ } متعلق بما بعده وهو توكيد وقدَّم لأجل الفواصل، ويجوز أن يكون حالاً من قوله " بوكيل "؛ لأنه لو تأخر لجاز أن يكون صفةً له، وهذا عند مَنْ يُجيز تقديمَ الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو اختيار جماعة، وأنشدوا عليه:
1944- غافلاً تُعْرَضُ المَنِيَّةُ للمَرْ   ءِ فيُدْعَى ولات حين إباءُ
فقدَّم " غافلاً " على صاحبها وهو " المرء " وعلى عاملها وهو " تُعرض " فهذا أَوْلى. ومنه:
1945- لَئِنْ كان بَرْدُ الماءِ هَيْمانَ صادياً   إليَّ حبيباً إنها لحبيبُ
أي: إليَّ هيمان صادِياً، ومثله:
1946- فإن يك أذوادٌ أُصِبْنَ ونسوةٌ   فَلَنْ يذهبوا فَرْغاً بقتل حبالِ
" فرغاً " حال من " بقتل " و " حبال " بالمهملة اسم رجل، مع أن حرف الجر هنا زائدة فجوازه أولى من ما ذكرنا.