قوله تعالى: { مَفَاتِحُ }: فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه جمعُ مِفْتح بكسر الميم والقصر، وهو الآلة التي يُفتح بها نحو: مُنْخُل ومَنَاخل. والثاني: أنه جمع مَفْتَح بفتح الميم، وهو المكان، ويؤيده تفسير ابن عباس هي خزائن المطر. والثالث: أنه جمع مِفتاح بكسر الميم والألف، وهو الآلة أيضاً، إلا أنَّ هذا فيه ضعفٌ من حيث إنه كان ينبغي أن تُقلب ألف المفرد ياء فيقال: مفاتيح كدنانير، ولكنه قد نُقِل في جمع مصباح مصابح، وفي جمع مِحْراب مَحارِب، وفي جمع قُرْقُرر قراقِر، وهذا كما أتوا بالياء في جمع ما لا مَدَّةَ في مفرده كقولهم: دراهيم وصياريف في جمع دِرْهَم وصَيْرَف، قال:
1938- تَنْفي يداها الحصى في كل هاجِرَةٍ
نَفْيَ الدارهيمِ تَنْقادُ الصَّياريفِ
وقالوا: عيِّل وعَياييل. قال:
1939- فيها عياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ
الأصل: عيايل ونمور، فزاد في ذلك ونَقَّصَ مِنْ هذا. وقد قُرِئ " مفاتيح " بالياء وهي تؤيد أنَّ مفاتح جمع مفتاح، وإنما حُذِفَتْ مدَّتْه. وجَوَّز الواحدي أن يكون مفاتح جمع مَفْتَح بفتح الميم على أنه مصدر، قال بعد كلام حكاه عن أبي إسحاق: " فعلى هذا مفاتح جمع المَفْتح بمعنى الفتح " ، كأن المعنى: " وعنده فتوح الغيب " أي: هو يفتح الغيب على مَنْ يشاء من عباده. وقال أبو البقاء: " مفاتح جمع مَفْتَح، والمَفْتَحُ الخزانة، فأمَّا ما يُفتح به فهو المفتاحُ، وجمعه مفاتيح وقد قيل مَفْتح أيضاً " انتهى. يريد جمع مَفتح أي بفتح الميم. وقوله: " وقد قيل: مَفْتَح يعني أنها لغة قليلة في الآلة والكثير فيها المدُّ، وكان ينبغي أن يوضِّح عبارته فإنها موهمة ولذلك شرحتها. قوله: { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } في محل نصب على الحال من " مفاتح " ، والعامل فيها الاستقرار الذي تضمَّنه حرف الجر لوقوعه خبراً. وقال أبو البقاء: " نفسُ الظرف إنْ رَفَعْتَ به مفاتح " أي: إنْ رفعته به فاعلاً، وذلك على رأي الأخفش، وتضمُّنه للاستقرار لا بد منه على كل قول، فلا فرق بين أن ترفعَ به الفاعل أو تجعله خبراً. قوله: { مِن وَرَقَةٍ } فاعل " تَسْقُط " و " مِنْ " زائدة لاستغراق الجنس، وقوله: { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } حالٌ من " ورقة " وجاءت الحال من النكرة لاعتمادِها على النفي، والتقدير: ما تسقط من ورقة إلا عالماً هو بها كقولك: " ما أكرمْتُ أحداً إلا صالحاً " ويجوز عندي أن تكونَ الجملة نعتاً لـ " ورقة " وإذا كانوا أجازوا في قوله{ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [الحجر: 4] أن تكون نعتاً لقرية في قوله:{ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [الحجر: 4] مع كونها بالواو ويعتذرون عن زيادة الواو، فأَنْ يجيزوا ذلك هنا أولى، وحينئذ فيجوز أن تكون في موضع جر على اللفظ أو رفع على المَحَلَّ.