الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ }: الكاف أمرُها واضحٌ من كونها نعتاً لمصدر محذوف أو حالاً من ضمير ذلك المصدر كما هو رأي سيبويه، والإِشارة بـ " ذلك " إلى التفصيل السابق، تقديره: مثل ذلك التفصيل البيِّنِ، وهو ما سَبَقَ من أحوال الأمم نفصِّل آيات القرآن. وقال ابن عطية: " والإِشارة بقوله " وكذلك " إلى ما تقدَّم، من النَّهْي عن طَرْد المؤمنين وبيان فساد منزع المعارضين لذلك، وتفصيل الآ يات تبيينُها وشَرْحُها ". وهذا شبيهٌ بما تقدم له في قوله:وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا } [الأنعام: 53] وتقدَّم أنه غير ظاهر.

قوله: { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ } قرأ الأخوان وأبو بكر: " وليستبين " بالياء من تحت، " سبيلُ " بالرفع ونافع: " ولتستبين " بالتاء من فوق، " سبيلَ " بالنصب، والباقون: بالتاء من فوق، " سبيل " بالرفع. وهذه القراءات دائرة على تذكير " السبيل " وتأنيثه وتَعَدَّي " استبان " ولُزِومه. وإيضاح هذا أن لغة نجد وتميم تذكير " السبيل " وعليه قوله تعالى:وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [الأعراف: 146]، لغةُ الحجاز التأنيث، وعليه:قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [يوسف: 108] وقوله:
1935- خَلِّ السبيل لمَنْ يبني المنار بها   ..................
وأمَّا " استبانَ " فيكونُ متعدِّياً نحو: استَبَنْتُ الشيءَ " ويكون لازماً نحو: " استبان الصبح " بمعنى بأن، فَمَنْ قرأ بالياء من تحت ورَفَع فإنه أسند الفعل إلى " السبيل " فرفْعُه على أنه مذكَّرٌ وعلى أن الفعل لازم، ومن قرأ بالتاء من فوق فكذلك ولكن على لغة التأنيث. ومن قرأ بالتاء من فوق ونصب " السبيلَ " فإنه أسند الفعلَ إلى المخاطب ونصب " السبيل " على المفعولية وذلك على تعدية الفعل أي: ولتستبين أنت سبيل المجرمين، فالتاء في " لتستبينَ " مختلفةُ المعنى، فإنها في إحدى القراءتين للخطاب وفي الأخرى للتأنيث، وهي في كلا الحالين للمضارعة، و " تستبين " منصوب بإضمار " أن " بعد لام كي، وفيما تتعلَّق به هذه اللام وجهان، أحدهما: أنها معطوفة على علة محذوفة، وتلك العلة معمولةٌ لقوله: { نفَصِّلُ } والمعنى: وكذلك نفصل الآيات لتستبين لكم ولتستبين.

والثاني: أنها متعلقة بمحذوف مقدر بعدها أي: ولتستبين سبيل المجرمين فصَّلناها ذلك التفصيل. وفي الكلام حذفُ معطوف على رأيٍ، أي: وسبيل المؤمنين، كقوله تعالى:سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81]. وقيل: لا يُحتاج إلى ذلك، لأن المقام إنما يقتضي ذِكْرَ المجرمين فقط، إذ هم الذين أثاروا ما تقدَّم ذِكْره.