الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ }

قوله تعالى: { وَإِن كَانَ كَبُرَ }: هذا شرطٌ، جوابه الفاء الداخلة على الشرط الثاني، وجواب الثاني محذوف تقديره: فإن استطعت أن تبتغي فافعلْ، ثم جُعِل الشرطُ الثاني وجوابُه جواباً للشرط الأول، وقد تقدَّم مِثْلُ ذلك في قوله:فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم..... فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ } [البقرة: 38]. وتقدَّم تحرير القول فيه، إلا أن جواب الثاني هناك مُظْهَرٌ. و " كان " في اسمها وجهان، أحدهما: أنه " إعراضهم " و " كَبُرَ " جملة فعلية في محل نصب خبراً مقدماً على الاسم، وهي مسألة خلاف: هل يجوزُ تقديمُ خبرِ كان على اسمها إذا كان فعلاً رافعاً لضمير مستتر أم لا؟ وأمَّا إذا كان خبراً للمبتدأ فلا يجوزُ البتةَ، لئلا يلتبسَ بباب الفاعل واللَّبْسُ هنا مَأْمون. وَوَجْهُ المَنْع استصحابُ الأصل. و " كَبُر " إذا قيل: إنه خبر " كان " فهل يُحتاج إلى إضمار " قد " أم لا؟ والظاهر أنه لا يحتاج، لأنه كثر وقع الماضي خبراً لها من غير " قد " نظماً ونثراً بعضهم يَخُصُّ ذلك بـ " كان " ويمنعه في غيرها من أخواتها إلا بـ " قد " ظاهرةً أو مضمرةً ومن مجيء ذلك في خبر أخواتها قولُ النابغة:
1905- أمسَتْ خَلاءً وأمسى أهلُها احَتَمَلُوا   أَخْنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
والثاني: أن يكونَ اسمُها ضميرَ الأمر والشأن، والجملة الفعلية مفسِّرةٌ له في محل نصب على الخبر، فإعراضُهم مرفوعٌ بـ " كَبُر " وفي الوجه الأول بـ " كان " ، ولا ضمير في " كَبُر " على الثاني، وفيه ضمير على الأول. ومثلُ ذلك في جواز هذين الوجهين قوله تعالى:وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ } [الأعراف: 137]وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } [الجن: 4]، ففرعون يحتمل أن يكون اسماً، وأن يكون فاعلاً وكذلك " سفيهُنا " ومثلُه أيضاً قولُ امرئ القيس.
1906- وإنْ تَكُ قد ساءَتْكِ مني خَليقةٌ   فَسُلِّي ثيابي مِنْ ثيابك تَنْسُلِ
فخليقة يحتمل الأمرين. وإظهار " قد " هنا يرجَّح قولَ مَنْ يشترطها، وهل يجوز في مثل هذا التركيب التنازعُ؟ وذلك أن كلاً من " كان " وما بعدها من الأفعال المذكورة في هذه الأمثلةِ يطلب المرفوع من جهة المعنى، وشروط الإِعمال موجودة. وكنت قديماً سألت الشيخ عن ذلك فأجابَ بالمنع، محتَّجاً بأنَّ شرط الإِعمال أن لا يكونَ أحدُ المتنازعين مفتقراً إلى الآخر، وأن يكونَ من تمام معناه، و " كان " مفتقرةٌ إلى خبرها وهو من تمام معناها. وهذا الذي ذكره من المنع وترجيحِه ظاهرٌ، إلا أن النَّحْويين لم يذكروه في شروط الإِعمال.

وقوله: { وَإِن كَانَ كَبُرَ } مؤولٌ بالاستقبال وهو التَبيُّن والظهور فهو كقوله:

السابقالتالي
2