قوله تعالى: { بَغْتَةً }: في نصبها أربعة أوجه، أحدها: أنها مصدرٌ في موضع الحال من فاعل " جاءَتْهم " أي: مباغتةً، وإمَّا من مفعوله أي: مَبْغوتين. الثاني: أنها مصدرٌ على غير الصدر؛ لأنَّ معنى " جاءتهم " بَغَتَتْهُمْ بغتة، فهو كقولهم: " أتيته رَكْضاً ". الثالث: أنَّها منصوبةٌ بفعلٍ محذوف من لفظها، أي: تَبْغَتُهم بَغْتة. الرابع: بفعلٍ من غير لفظها، أي: أتتهم بغتة. والبَغْتُ والبَغْتةُ مفاجأة الشيء بسرعة من غير اعتدادٍ به ولا جَعْلِ بالٍ منه حتى لو استشعر الإِنسانُ به ثم جاءه بسرعةٍ لا يُقال فيه بَغْتَة، ولذلك قال الشاعر:
1898- إذا بَغَتَتْ أشياءُ قد كان قبلها
قديماً فلا تَعْتَدَّها بَغَتَاتِ
والألف واللام في " الساعة " للغلبة كالنجم والثريا، لأنها غلبت على يوم القيامة، وسمِّيَتِ القيامةُ ساعةً لسرعة الحساب فيها على الباري تعالى. وقوله " قالوا " هو جواب " إذا ". قوله: { يٰحَسْرَتَنَا } هذا مجازٌ، لأنَّ الحسرةَ لا يتأتَّى منها الإِقبال، وإنَّما المعنى على المبالغة في شدة التحرُّ، وكأنهم نادوا التحسُّر، وقالوا: إن كان لكِ وقتٌ فهذا أوان حضورك. ومثله: " يا ويلتا " ، والمقصودُ التنبيهُ على خطأ المنادي حيث ترك ما أحوجه تركه إلى نداء هذه الأشياء. قوله: { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } متعلقٌ بالحَسْرة، و " ما " مصدريةٌ، أي: على تفريطنا. والضمير في " فيها " يجوز أن يعود على الساعة، ولا بد من مضاف أي: في شأنها والإِيمان بها، وأن يعود على الصفقة المتضمَّنة في قوله: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ } قاله الحسن، أو يعود على الحياة الدنيا وإن لم [يَجْرِ] لها ذِكْرٌ لكونها مَعْلومةً، قاله الزمخشري. وقيل: يعود على مازلهم في الجنة إذا رأَوْها. وهو بعيدٌ. والتفريطُ: التقصيرُ في الشيء مع القدرة على فعله. وقال أبو عبيد: " هو التضييع " وقال ابن بحر: " هو السَّبْق، منه الفارط أي السابق للقوم، فمعنى فرَّط بالتشديد خلَّى السبق لغيره، فالتضعيف فيه للسَّلْب كجلَّدْتُ البعير ومنه{ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً } [الإِسراء: 79]. قوله: { وَهُمْ يَحْمِلُونَ } الواو للحال، وصاحب الحال الواو في " قالوا " أي: قالوا: يا حَسْرَتَنا في حالةِ حَمْلِهم أوزارَهم. وصُدِّرت هذه الجملة بضمير مبتدأ ليكون ذِكْرُه مرتين فهو أبلغُ، والحَمْلُ هنا قيل: مجازٌ عن مقاساتهم العذابَ الذي سببُّه الأوزارُ، وقيل: هو حقيقةٌ. وفي الحديث: " إنه يُمَثَّل له عملُه بصورةٍ قبيحةٍ مُنْتِنَةِ الريح فيحملها " وخُصَّ الظهرُ لأنه يُطِيق من الحمل ما لا يُطِيقه غيره من الأعضاء كالرأس والكاهل، وهذا كما تقدَّم في{ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } [الأنعام: 7]؛ لأن اليدَ أقوى في الإِدراك اللمسي من غيرها. الأوزار: جمع وِزْر كحِمْل وأَحْمال وعِدْل وأعدال.