الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ }: جوابها محذوف لفَهْمِ المعنى، التقدير: لرأيت شيئاً عظيماً وهَوْلاً مُفْظِعاً. وحَذْفُ الجواب كثيرٌ في التنزيل وفي النظم، كقوله تعالى:وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً } [الرعد: 31] وقول الآخر:
1890- وجَدِّك لو شيءٌ أتانا رسولُه   سِواك ولكن لم نَجِدْ لك مَدْفَعا
وقوله:
1891- فلو أنها نفسٌ تموتُ جميعةً   ولكنها نفسٌ تساقَطُ أنفُسَا
وقوله:
1892- كَذَبَ الغواذِلُ لو رَأَيْنَ مُنَاخَنَا   بحَزيزِ رامةَ والمَطِيُّ سَوَامي
وحَذْفُ الجواب أبلغُ: قالوا: لأنَّ السَّامع تَذْهَبُ نفسُه كلَّ مذهب، فلو صُرِّح له بالجواب وَطَّن نفسَه عليه فلم يَخْشَ منه [كثيراً، ولذلك قال كثير:
1893- فقلتُ لها يا عَزُّ كلُّ مصيبةٍ   إذا وُطِّنَتْ لها النفسُ ذَلَّتِ]
و " ترى " يجوز أن تكونَ بَصَريةً ومفعولُها محذوف، أي: ولو ترى حالَهم، ويجوز أن تكونَ القلبيةَ، والمعنى: ولو صَرَفْتَ فكرَك الصحيح لأن تَتَدبَّر حالَهم لازْدَدْتَ يقيناً.

وفي " لو " هذه وجهان، أظهرهما: أنها الامتناعية فينصرف المضارع بعدها للمضيِّ، فـ " إذ " باقية على أصلها من دلالتها على الزمن الماضي، وهذا وإن كان لم يقعْ بعدُ لأنه سيأتي يوم القيامة إلا أنه أُبْرِزَ في صورة الماضي لتحَقُّقِ الوعد. والثاني:أنها بمعنى " إنْ " الشرطية " و " إنْ " هنا تكون بمعنى " إذا " والذي حَمَلَ هذا القائلَ على ذلك كونُه لم يقعْ بعدُ، وقد تقدَّم تأويله.

وقرأ الجمهور: { وُقِفُوا } مبنياً للمفعول من وقف ثلاثياً. و " على " يُحْتمل أن تكونَ على بابها وهو الظاهر أي: حُبِسوا عليها، وقيل: يجوز أن تكون بمعنى في، وليس بذاك. وقرأ ابن السَّمَيْفَع وزيد بن علي: " وَقَفوا " مبنياً للفاعل. و " وقف " يتعدَّى ولا يتعدَّى، وفرَّقَتِ العرب بينهما بالمصدر، فمصدرُ اللازم على فُعول، ومصدرُ المتعدِّي على فَعْل، ولا يقال: أَوْقَفْتُ. قال أبو عمرو بن العلاء: " لم أسمعْ شيئاً في كلام العرب: أوقفت فلاناً، إلا أَنِّي لو رأيت رجلاً واقفاً فقلت: له: " ما أوقفك ههنا " لكان عندي حسناً " وإنما قال كذلك لأنَّ تعدِّيَ الفعل بالهمزة مقيس نحو: ضحك زيد وأضحكته أنا، ولكن سَمِعَ غيره في " وقف " المتعدي أوقفته. قال الراغب: " ومنه - يعني من لفظِ وَقَفْتُ القومَ - استُعير وَقَفْتُ الدابة إذا سَبَلْتُها " فَجَعَل الوقفَ حقيقةً في مَنْع المشي وفي التسبيل مجازاً على سبيل الاستعارة، وذلك أن الشيء المُسْبَل كأنه ممنوع من الحركة، والوَقْفُ لفظُ مشترك بين ما تقدَّم وبين سِوار من عاج، ومنه: " حمار مُوَقَّفٌ بأرساغه مِثْلُ الوَقْف من البياض ".

قوله: { يٰلَيْتَنَا } قد تقدَّم الكلام في " يا " المباشِرة للحرف والفعل.

السابقالتالي
2 3 4 5