الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }: إنما ذكَّر العددَ والمعدودُ مذكَّر لأوجه منها: أنَّ الإِضافة لها تأثيرٌ كما تقدَّم غيرَ مرة فاكتسب المذكر من المؤنث التأنيث فأُعطي حكمَ المؤنث من سقوط التاء من عدده؛ ولذلك يؤنث فعلُه حالةَ إضافتهِ لمؤنث نحو: { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [يوسف: 10]، [وقوله]:
2132ـ................   كما شَرِقت صدرُ القَنَاةِ.....
[وقوله]:
2133ـ...................   تسفَّهت أعاليَها مرُّ الرياح...
إلى غير ذلك مما تقدم تحقيقه. ومنها: أن هذا المذكر عبارة عن مؤنث، فروعي المراد دون اللفظ وعليه قوله:
2134ـ وإنَّ كلاباً هذه عشرُ أَبْطُنٍ   وأنت بريء من قبائلها العشرِ
لم يُلْحِق التاء في عدد أبطن وهي مذكرة لأنها عبارة عن مؤنث وهي القبائل فكأنه قيل: وإن كلاباً هذه عشر قبائل، ومثله قول عمر ابن أبي ربيعة:
2135ـ وكان مِجَنِّي دونَ مَنْ كنت أتَّقي   ثلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ
لم يُلحِق التاء في عدد " شخوص " وهي مذكرة لَمَّا كانت عبارة عن النسوة، وهذا أحسنُ مما قبله للتصريح بالمؤنث في قوله: كاعبان ومعصر، وهذا كما أنه إذا أريد بلفظ مؤنث معنى مذكر فإنهم ينظرون إلى المراد دون اللفظ فيُلْحقون التاء في عدد المؤنث، ومنه قول الشاعر:
2136ـ ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذُوْدٍ   لقد جار الزمانُ على عِيالي
فألحق التاءَ في عدد " أنفس " وهي مؤنثة لأنها يراد بها ذكور، ومثله:ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً } [الأعراف: 160] في أحد الوجهين وسيأتي إن شاء الله في موضعه.

ومنها: أنه راعى الموصوف المحذوف والتقدير: فله عشرُ حسناتٍ أمثالها، ثم حذف الموصوف وأقام صفته مُقامَه تاركاً العدد على حاله، ومثله " مررت بثلاثة نسابات " ألحقت التاء في عدد المؤنث مراعاةً للموصوف المحذوف، إذ الأصل: بثلاثة رجال نسابات. وقال أبو علي: " اجتمع ههنا أمران كلُّ منهما يوجب التأنيث، فلمَّا اجتمعا قوي التأنيث، أحدهما: أن الأمثالَ في المعنى " حسنات " فجاز التأنيثُ كقوله:
2137ـ..................   ثلاثُ شخوصٍ كاعبان ومعصر
أراد بالشخوص النساء، الآخر: أن المضاف إلى المؤنث قد يؤنَّث وإن كان مذكراً كقول من قال: " قُطِعَتْ بعض أصابعه "يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [يوسف: 10].

وقرأ يعقوب والحسن وسعيد بن جبير والأعمش وعيسى بن عمر بالتنوين " أمثالُها " بالرفع صفة لعشر أي: فله عشر حسنات أمثال تلك الحسنة، وهذه القراءة سالمةٌ من تلك التآويل المذكورة في القراءة المشهورة.