وقوله تعالى: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ }: تقدم أنه على حذف مضاف. وقرأ الأخوان: { إِلاَّ أَن يَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } بياء منقوطة من تحت لأن التأنيث مجازي وهو نظير { فناداه الملائكة } [آل عمران: 39]. وأبو العالية وابن سيرين: " يوم تأتي بعض " بالتأنيث كقوله { تَلْتَقِطْه بعضُ السيَّارة } [يوسف: 10]. قوله: { يَوْمَ يَأْتِي } الجمهور على نصب " اليومَ " ، وناصبه ما بعد " لا " ، وهذا على أحد الأقوال الثلاثة في " لا " وهي أنها يتقدم معمول ما بعدها عليها مطلقاً، ولا يتقدَّم مطلقاً، ويُفَصَّل في الثالث: بين أن يكون جواب قسم فيمتنع، أو لا فيجوز. وقرأ زهير الفرقبي " يومُ " بالرفع وهو مبتدأ، وخبره الجملة بعده، والعائد منها إليه محذوف أي: لا تنفع فيه. وقرأ الجمهور " ينفع " بالياء من تحت. وقرأ ابن سيرين: تنفع بالتاء من فوق. قال أبو حاتم: " ذكروا أنه غلط ". قلت: وذلك لأن الفعل مسند لمذكر، وجوابه أنه لما اكتسب بالإِضافة التأنيث أجرى عليه حكمه كقوله:
2129ـ وتَشْرَق بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ _
كما شَرِقَتْ صدرُ القانةِ من الدم
وقد تقدَّم لك تحقيق هذا في أول السورة، وأنشد سيبويه على ذلك:
2130ـ مَشَيْنَ كما اهتزَّتْ رماحٌ تسفَّهَتْ
أعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسمِ
وقيل: لأن الإِيمان بمعنى العقيدة فهو كقولهم: " أتته كتابي فاحتقرها " أي: صحيفتي ورسالتي. وقال النحاس: " في هذا شيء دقيق ذكره سيبويه: وذلك أن الإِيمان والنفس كل منهما مشتمل على الآخر فأنَّث الإِيمان إذ هو من النفس وبها ". وأنشد سيبويه " مَشَيْن كما اهتزَّت " البيت. وقال الزمخشري في هذه القراءة " لكون الإِيمان مضافاً إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه كقولهم: " ذهبت بعض أصابعه ". قال الشيخ: " وهو غلطٌ؛ لأن الإِيمان ليس بعضاً للنفس " قلت: قد تقدَّم آنفاً ما يَشْهد لصحة هذه العبارة من كلام النحاس في قوله عن سيبويه: " وذلك أنَّ الإِيمان والنفس كلٌّ منهما مشتملٌ على الآخر، فَأَنَّثَ الإِيمانَ إذ هو من النفس وبها " فلا فرقَ بين هاتين العبارتين، أي لا فرق بين أن يقولَ هو منها وبها أو هو بعضها، والمرادُ في العبارتين المجازُ. قوله: " لم تكنْ آمَنَتْ " في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجهٍ أحدها: أنها في محل نصب لأنها نعتٌ لنفساً، وفَصَل بالفاعل وهو " إيمانها " بين الصفة وموصوفها لأنه ليس بأجنبي، إذ قد اشترك الموصوف الذي هو المفعول والفاعل في العامل، فعلى هذا يجوز: " ضرب هنداً غلامُها القرشية " وقوله " أو كسبت " عطف على " لم تكن آمنت ".