الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ }: في " ما " هذه ثلاثة أوجه أظهرها: أنها موصولةٌ بمعنى الذي والعائد محذوف أي: الذي حَرَّمه، والموصول في محل نصب مفعولاً به. والثاني: أن تكون مصدريةً أي: أتل تحريم ربكم، ونفس التحريم لا يُتْلَى وإنما هو مصدرٌ واقع موقع المفعول به أي: أتلُ مُحَرَّم ربكم الذي حرَّمه هو. والثالث: أنها استفهامية في محل نصب بحرَّم بعدها، وهي مُعَلِّقة لأتْل والتقدير: أتل أيَّ شيء حرَّم ربكم، وهذا ضعيف لأنه لا تُعَلَّقُ إلا أفعالُ القلوب وما حُمِل عليها. وأمَّا " عليكم " ففيه وجهان أحدهما: أنه متعلق بَحَرَّم، وهذا اختيار البصريين. والثاني: أنه متعلق بأَتْلُ وهو اختيار الكوفيين يعني أن المسألة من باب الإِعمال، وقد عرفت أن اختيار البصريين إعمالُ الثاني، واختيارَ الكوفيين إعمالُ الأول.

قوله: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ } فيه أوجه أحدها: أنَّ " أَنْ " تفسيرية لأنه تَقَدَّمَها ما هو بمعنى القول لا حروفه و " لا " هي ناهية و " تشركوا " مجزومٌ بها، وهذا وجهٌ ظاهر، وهو اختيار الفراء قال: " ويجوزُ أن يكون مجزوماً بـ " لا " على النهي كقولك: أمرتك أَنْ لا تذهب إلى زيد بالنصب والجزم. ثم قال: والجزم في هذه الآية أحبُّ إليَّ كقوله تعالى:أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } [هود: 85] قلت: يعني فعطفُ هذه الجملة الأمرية يُقَوِّي أنَّ ما قبلها نهي ليتناسب طرفا الكلام، وهو اختيار الزمخشري أيضاً فإنه قال: " وأَنْ في " أن لا تشركوا " مفسرة و " لا " للنهي " ثم قال بعد كلام: " فإن قلت: إذا جعلت " أن " مفسرةً لفعل التلاوة وهو معلَّق بما حرَّم ربكم وَجَبَ أَنْ يكون ما بعده منهيَّاً عنه مُحَرَّماً كله كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرفُ النهي فما تصنع بالأوامر؟ قلت: لَمَّا وَرَدَت هذه الأوامرُ مع النواهي، وتقدَّمهن جميعاً فعلُ التحريم، واشتركن في الدخول تحت حكمه عُلم أن التحريمَ راجعٌ إلى أضدادها وهي الإِساءة إلى الوالدين، وبَخْسُ الكيل والميزان، وتَرْكُ العدلِ في القول، ونكثُ العهد ".

قال الشيخ: " وكونُ هذه الأشياء اشتركت في الدخول تحت حكم التحريم، وكونُ التحريم راجعاً إلى أضداد الأوامر بعيدٌ جداً وإلغازٌ في التعامي ولا ضرورةَ تدعو إلى ذلك ". قلت: ما استبعده ليس ببعيدٍ وأين الإِلغاز والتعمِّي من هذا الكلامِ حتى يرميَه به. ثم قال الشيخ: " وأمَّا عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين، أحدهما: أنها معطوفة لا على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حَيِّز " أن " التفسيرية، بل هي معطوفة على قوله { تَعَالَوْاْ أتْلُ مَا حَرَّمَ } ، أمرهم أولاً بأمرٍ يترتب عليه ذِكْرُ مَناهٍ، ثم أمرهم ثانياً بأوامر وهذا معنى واضح.

السابقالتالي
2 3 4 5