الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }

قوله تعالى: { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ }: متعلق بحرَّمْنا، وهو يُفيد الاختصاص عند بعضهم كالزمخشري والرازي، وقد صَرَّح به الرازي هنا أعني تقديمَ المعمول على عامله.

وفي " الظفر " لغات خمس، أعلاها: ظُفُر وهي قراءة العامة، وظُفْر بسكون العين وهي تخفيف المضمومها، وبها قرأ الحسن في روايةٍ وأبي بن كعب والأعرج، وظِفِر بكسر الظاء والفاء، ونسبها الواحدي لأبي السمَّال قراءةً، وظِفْر بكسر الظاء وسكون الفاء وهي تخفيف المكسورها، ونسبها الناس للحسن أيضاً قراءة، واللغة الخامسة أُظْفور ولم يُقرأ بها فيما علمت، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:
2110ـ ما بين لُقْمَتِها الأولى إذا انحدَرَتْ   وبين أخرى تليها قِيْدُ أُظْفورِ
وجمع الثلاثي أظفار، وجمع أظفور أظافير وهو القياس، وأظافر من غير مدّ وليس بقياس، وهذا كقوله:
2111ـ................   ..... العينين والعواوِرِ
وقد تقدَّم تحقيق ذلك في قوله مفاتح الغيب.

قوله: " ومن البقر " فيه وجهان أحدهما: أنه معطوف على " كل ذي " فتتعلق " مِنْ " بحرَّمنا الأولى لا الثانية، وإنما جيء بالجملة الثانية مفسرة لما أبهم في " من " التبعيضية مِن المحرم فقال: " حَرَّمْنا عليهم شحومهما " والثاني: أن يتعلق بحرَّمْنا المتأخرة والتقدير:/ وحرَّمنا على الذين هادوا من البقر والغنم شحومهما، فلا يجب هنا تقديم المجرور بها على الفعل، بل يجوز تأخيره كما تقدَّم، ولكن لا يجوز تأخيره عن المنصوب بالفعل فيقال: حرَّمنا عليهم شحومَهما من البقر والغنم لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. وقال أبو البقاء: " ولا يجوز أن يكون " مِن البقر " متعلقاً بـ " حَرَّمنا " الثانية ". قال الشيخ: " وكأنه توهَّم أنَّ عَوْد الضمير مانع من التعلق، إذ رتبةُ المجرور بـ مِنْ التأخير لكن عَمَّاذا؟ أما عن الفعل فمسلَّم، وأما عن المفعول فغير مُسَلَّم " يعني أنه إن أراد أنَّ رتبة قوله " من البقر " التأخير عن شحومهما فيصير التقدير: حرَّمْنا عليهم شحومهما من البقر فغير مُسَلَّم. ثم قال الشيخ: " وإن سَلَّمنا أنَّ رُتْبَتَه التأخير عن الفعل والمفعول فليس بممنوع بل يجوز ذلك كما جاز: " ضرب غلامَ المرأة أبوها " و " غلامَ المرأة ضرب أبوها " ، وإن كانت رتبة المفعول التأخير، لكنه وجب هنا تقديمه لعود الضمير الذي في الفاعل الذي رتبتُه التقديم عليه فكيف بالمفعول الذي هو والمجرور في رتبة واحدة؟ أعني في كونِهما فضلةً فلا يُبالى فيهما بتقديم أيِّهما شِئْتَ على الآخر، قال الشاعر:
2112ـ.................   وقد رَكَدَتْ وسطَ السماء نجومُها
فقدَّم الظرفَ وجوباً لعود الضمير الذي اتصل بالفاعل على المجرور بالظرف ". قلت: لقائلٍ أن يقول لا نُسَلِّم أن أبا البقاء إنما مَنَعَ ذلك لِما ذكره حتى يُلْزَمَ بما ألزمته بل قد يكون منعه لأمر معنوي.

السابقالتالي
2 3 4 5