الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { مُحَرَّماً }: منصوبٌ بقوله " لا أَجِدُ " وهو صفة لموصوف محذوف حُذِفَ لدلالة قوله على " طاعم يَطْعَمُه " والتقدير: لا أجد طعاماً محرَّماً. و " على طاعم " متعلق بمحرَّماً و " يَطْعَمُه " في محل جرّ صفةً لطاعم. وقرأ الباقر ـ ونقلها مكي عن أبي جعفر ـ " يَطَّعِمُه " بتشديد الطاء وأصلها يَطْتَعِمه افتعالاً من الطعم، فأبدلت التاء طاء لوقوعها بعد طاء للتقارب فوجب الإِدغام. وقرأت عائشة ومحمد بن الحنفية وأصحاب عبد الله بن مسعود " تَطَعَّمه " بالتاء من فوق وتشديد العين فعلاً ماضياً.

قوله { إِلاَّ أَن يَكُونَ } منصوبٌ على الاستثناء وفيه وجهان، أحدهما: أنه متصل قال أبو البقاء: " استثناء من الجنس، وموضعه نصب، أي: لا أجد مُحَرَّماً إلا الميتة " والثاني: أنه منقطع، قال مكي: " وأن يكون في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ". وقال الشيخ: " وإلا أن يكون " استثناء منقطع لأنه كون وما قبله عين، ويجوز أن يكون موضعه نصباً بدلاً على لغة تميم ونصباً على الاستثناء على لغة الحجاز " يعني أن الاستثناء/ المنقطع فيه لغتان إحداهما لغة الحجاز وهو وجوبُ النصبِ مطلقاً، ولغة التميميين يجعلونه كالمتصل، فإن كان في الكلام نفي أو شبهه رُجِّح البدلُ، وهنا الكلام نفي فيترجَّح نصبُه عند التميميين على البدل دون النصب على الاستثناء فنصبُه من وجهين، وأمَّا الحجاز فنصبُه عندهم مِنْ وجهٍ واحد، وظاهر كلام أبي القاسم الزمخشري أنه متصل فإنه قال: " محرماً أي: طعاماً محرماً من المطاعم التي حَرَّمتموها، إلا أن يكون ميتة " إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة " وقرأ ابن عامر في رواية: " أوحَى " بفتح الهمزة والحاء مبنياً للفاعل.

وقوله تعالى: { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ } وقوله " نَبِّئوني " ، وقوله أيضاً " آلذكرين " ثانياً وقوله " أم كنتم شهداء " جمل اعتراضٍ بين المعدودات التي وقعَتْ تفصيلاً لثمانية أزواج. قال الزمخشري: " فإن قلت: كيف فصل بين المعدود وبين بعضه ولم يُوالِ بينه؟ قلت: قد وقع الفاصل بينهما اعتراضاً غيرَ أجنبي من المعدود، وذلك أن الله عز وجل مَنَّ على عباده بإنشاء الإِنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم، فاعترض بالاحتجاج على مَنْ حرَّمها، والاحتجاج على مَنْ حرَّمها تأكيد وتسديد للتحليل، والاعتراضات في الكلام لا تُساق إلا للتوكيد ".

وقرأ ابن عامر " إلا أَنْ تكونَ ميتةٌ " بالتأنيث ورفع ميتة يعني: إلا أن يوجدَ ميتة، فتكون تامة عنده، ويجوز أن تكون الناقصة والخبرُ محذوفٌ تقديره: إلا أن يكون هناك ميتة، وقد تقدَّم أن هذا منقولٌ عن الأخفش في قوله مثل ذلك { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً }.

السابقالتالي
2 3