الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { خَالِصَةٌ }: الجمهور على " خالصة " بالتأنيث مرفوعاً على أنه خبر " ما " الموصولة، والتأنيث: إمَّا حَمْلاً على المعنى؛ لأن الذي في بطون الأنعام أنعام، ثم حُمِلَ على لفظها في قوله " ومحرَّم " ، وإمَّا لأنَّ التأنيث للمبالغة كهو في عَلاَّمة ونسَّابة وراوية، وإمَّا لأن " خالصة " مصدر على وزن فاعلة كالعاقبة والعافية. وقال تعالى:بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ص: 46] وهذا القول قول الفراء، والأول له أيضاً ولأبي إسحاق الزجاج، والثاني للكسائي، وإذا قيل: إنها مصدر كان ذلك على حذف مضاف أي: ذو خلوصٍ أو على المبالغةِ، أو على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل كنظائره. وقال الشاعر:
2096ـ وكنتِ أُمْنِيَّتي وكنتِ خالصتي   وليس كلُّ امرِئٍ بمؤتمنِ
وهذا مستفيضٌ في لسانهم: فلان خالصتي أي ذو خلوصي. و " لذكورنا " متعلِّقٌ به، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنه وصف لخالصة وليس بالقوي.

وقرأ عبد الله وابن جبير وأبو العالية والضحاك وابن أبي عبلة " خالص " مرفوعاً على ما تقدَّم من غير هاء. و " لذكورنا " متعلق به أو بمحذوف كما تقدَّم. وقرأ ابن جبير أيضاً فيما نقله عنه ابن جني " خالصاً " نصباً من غير تاء، ونصبُه على الحال، وفي صاحبه وجهان أظهرهما: أنه الضمير المستتر في الصلة. الثاني: أنه الضمير المستتر في " لذكورنا " فإنَّ " لذكورنا " على هذه القراءة خبر المبتدأ، وهذا إنما يجوز على مذهب أبي الحسن لأنه يجيز تقديم الحال على عاملها المعنوي نحو: " زيد مستقراً في الدار " ، والجمهور يمنعونه، وقد تقدَّم تحقيق هذه المسألة بتفصيلها ودلائلها.

وقرأ ابن عباس أيضاً والأعرج وقتادة: " خالصةً " نصباً بالتأنيث، والكلام في نصبه وتأنيثه كما تقدم في نظيره، وخرَّجه الزمخشري على أنه مصدر مؤكد كالعاقبة. وقرأ ابن عباس أيضاً وأبو رزين وعكرمة وأبو حيوة: " خالصُه " برفع " خالص " مضافاً إلى ضمير " ما ". ورفعه على أحد وجهين: إمَّا على البدل من الموصول، بدلِ بعض من كل، و " لذكورنا " خبر الموصول، وإمَّا على أنه مبتدأ، و " لذكورنا " خبره والجملة خبر الموصول، وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّم أنه حيث قلنا: إن " خالصة " مصدر أو هي للمبالغة فليس في الكلام حَمْلٌ على معنى ثم على لفظ، وإن قلنا: إن التأنيث فيها لأجل تأنيث ما في البطون كان في الكلام الحَمْلُ على المعنى أولاً ثم على اللفظ في قوله " مُحَرَّمٌ " ثانياً، وليس لذلك في القرآن نظير، أعني الحمل على المعنى أولاً ثم على اللفظ ثانياً.

السابقالتالي
2 3