الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ }: هذا في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف كنظائره، فقدّره الزمخشري تقديرين فقال: " ومثل ذلك التزيين وهو تزيينُ الشرك في قسمة القربان بين الله والآلهة، أو: ومثل ذلك التزيينِ البليغ الذي عُلِم من الشياطين ". قال الشيخ: " قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون " كذلك " مستأنفاً غير مشار به إلى ما قبله فيكون المعنى: وهكذا زَيَّن " قلت: والمنقول عن ابن الأنباري أنه مشار به إلى ما قبله، نقل الواحدي عنه أنه قال: " ذلك إشارة إلى ما نعاه الله عليهم مِنْ قَسْمهم ما قسموا بالجهل فكأنه قيل: ومثل ذلك الذي أَتوه في القَسْم جهلاً وخطأً زَيَّن لكثير من المشركين فشبَّه تزيين الشركاء بخطابهم في القسم، وهذا معنى قول الزجاج.

وفي هذه الآية قراءات كثيرة، والمتواتر منها ثنتان، الأولى: قرأ العامة " زَيَّنَ " مبنياً للفاعل و " قَتْلَ " نصب على المفعولية و " أولادهم " خفض بالإِضافة، و " شركاؤهم " رفع على الفاعلية وهي قراءة واضحة المعنى والتركيب. وقرأ ابن عامر: " زُيِّن " مبنياً للمفعول، " قَتْلُ " رفعاً على ما لم يُسَمَّ فاعله، " أولادَهم " نصباً على المفعول بالمصدر، " شركائهم " خفضاً على إضافة المصدر إليه فاعلاً. وهذه القراءة متواترة صحيحة، وقد تجرَّأ كثير من الناس على قارئها بما لا ينبغي، وهو أعلى القراء السبعة سنداً وأقدمهم هجرة: أمَّا علوُّ سندِه فإنه قرأ على أبي الدرداء وواثلة بن الأسقع وفضالة بن عبيد ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة المخزومي، ونقل يحيى الذماري أنه قرأ على عثمان نفسه، وأمَّا قِدَمُ هجرته فإنه وُلِد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وناهيك به أن هشام بن عمار أحد شيوخ البخاري أخذ عن أصحاب أصحابه، وترجمته متسعة ذكرتها في " شرح القصيد " ، وإنما ذكرت هنا هذه العُجالة تنبيهاً على خطأ مَنْ ردَّ قراءته ونسبه إلى لَحْنٍ أو اتباع مجرد المرسوم فقط.

قال أبو جعفر النحاس: " وهذا يعني الفصلَ بين المضاف والمضاف إليه بالظرف أو غيره، ولا يجوز في شعرٍ ولا غيره ". وهذا خطأ من أبي جعفر لِمَا سنذكره من لسان العرب، وقال أبو علي الفارسي: " هذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها ـ يعني ابن عامر ـ كان أَوْلى لأنهم لم يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظروف، وإنما أجازوه في الشعر " قال: " وقد فصلوا به ـ أي بالظرف ـ في كثير من المواضع نحو قوله تعالى:إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10