قوله تعالى: { وَجَعَلُواْ للَّهِ }: " جعل " هنا بمعنى صيَّر فيتعدى لاثنين أوَّلُهما قوله " نصيباً " ، والثاني قوله " لله " ، و " ممَّا ذَرَأ " يجوز أن يتعلق بالجعل، وأن يتعلق بمحذوف لأنه كان في الأصل صفة لـ " نصيباً " فلما قُدِّم عليه انتصب حالاً، والتقدير: وجعلوا نصيباً ممَّا ذَرَأ لله، و " من الحَرْث " يجوز أن يكون بدلاً مِنْ " ممَّا ذرأ " بإعادة العامل كأنه قيل: وجعلوا لله من الحرث والأنعام نصيباً. ويجوز أن يتعلق بـ " ذرأ " ، وأن يتعلَّق بمحذوف على أنه حال: إمَّا من ما الموصولة أو من عائدها المحذوف، وفي الكلام حذفُ مفعول اقتضاه التقسيم والتقدير: وجعلوا لله نصيباً من كذا ولشركائهم نصيباً منه، يدلُّ عليه ما بعده مِنْ قوله: { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا } و " هذا لله " جملةٌ منصوبةُ المحل بالقول، وكذلك قوله " وهذا لشركائنا ". وقوله: { بِزَعْمِهِمْ } فيه وجهان أحدهما: أن يتعلَّق بـ " قالوا " أي: فقالوا ذلك القولَ بزعم لا بيقين واستبصار. وقيل: هو متعلِّق بما تعلَّق به الاستقرار من قوله " لله ". وقرأ العامة بفتح الزاي من " زَعمهم " في الموضعين، وهذه لغة الحداز وهي الفصحى. وقرأ الكسائي " بزُعمهم " بالضم/ وهو لغة بني أسد، وهل الفتح والضم بمعنى واحد، أو المفتوح مصدر والمضموم ا سم؟ خلاف مشهور. وقرأ ابن أبي عبلة " بزَعَمهم " بفتح الزاي والعين. وفيه لغة رابعة لبعض قيس وبني تميم وهي كسر الزاي، ولم يُقْرأ بهذه اللغة فيما علمت. وقد تقدم تحقيق الزعم. وقوله { لِشُرَكَآئِنَا } يجوز فيه وجهان أحدهما: أن الشركاء من الشرك، ويعنون بهم آلهتهم التي أشركوا بينها وبين الباري تعالى في العبادة، وليست الإِضافة إلى فاعل ولا إلى مفعول، بل هي إضافة تخصيص والمعنى: الشركاء الذين أشركوا بينهم وبين الله في العبادة. والثاني: أن الشركاء من الشركة، ومعنى كونهم سَمُّوا آلهتهم شركاءهم أنهم جعلوهم شركاء في أموالهم وزروعهم وأنعامهم ومتاجرهم وغير ذلك، فتكون الإِضافة إضافةً لفظيةً: إمَّا إلى المفعول أي: شركائنا الذين شاركونا في أموالنا، وإمَّا إلى الفاعل أي: الذين أشركناهم في أموالنا. وقوله: { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } قد تقدم نظيرها غير مرة، وقد أعربها الحوفي هنا فقال: " ما " بمعنى الذي والتقدير: ساء الذي يحكمون حكمُهم فيكون " حكمُهم " مبتدأ وما قبله الخبر وحُذِف لدلالة " يحكمون " عليه، ويجوز أن تكون " ما " تمييزاً على مذهب مَنْ يجيز ذلك في " بئسما " فتكون في موضع نصب، التقدير: ساء حكماً حكمهم، ولا يكون " يحكمون " صفة لـ " ما " لأن الغرض الإِبهام، ولكنْ في الكلام حذفٌ يدل عليه " ما " والتقدير: ساء ما ما يحكمون، فحذف " ما " الثانية " قلت: و " ما " هذه إن كانت موصولة فمذهب البصريين أنَّ حَذْفَ الموصول لا يجوز، وقد عرف ذلك، وإن كانت نكرة موصوفة ففيه نظر، لأنه لم يُعْهَدْ حَذْفُ " ما " نكرةً موصوفة.