الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ }

قوله تعالى: { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ }: يجوز أن يكون " الغنيُّ " ذو الرحمة خبرين أو وصفين، و " إن يشأ " وما بعده خبر الأول أو يكون الغنيّ وصفاً، و " ذو الرحمة " خبر، والجملة الشرطية خبر ثان أو مستأنف. وقوله " ما يشاء " يجوز أن تكون " ما " واقعةً على ما هو من جنس الآدميِّين، وإنما أتى بـ " ما " وهي لغير العاقل للإِبهام الحاصل. ويجوز أن تكون واقعة على غير العاقل وأنه يأتي بجنس آخر، ويجوز أن تكون واقعة على النوع من العقلاء كما تقدم.

قوله { كَمَآ أَنشَأَكُمْ } فيه وجهان أحدهما: أنه مصدر على غير الصدر لقوله " ويَسْتخلف " ، لأنَّ معنى يستخلف يُنْشئْ. والثاني: أنها نعت مصدر محذوف تقديره: استخلافاً مثل ما أنشأكم. وقوله { مِنْ ذرِّيَّة } متعلق بأنشأكم. وفي " مِنْ " هذه أوجه أحدها: أنها لابتداء الغاية أي: ابتدأ إنشاءكم من ذرية قوم. والثاني: أنها تبعيضية قاله ابن عطية. الثالث: بمعنى البدل، قال الطبري ـ وتبعه مكي بن أبي طالب ـ " هي كقولك: " أخذت من ثوبي درهماً " أي: بدله وعوضه، وكون " مِنْ " بمعنى البدل قليل أو ممتنع، وما ورد منه مؤولٌ كقوله تعالى:لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً } [الزخرف: 60] وقوله:
2060ـ جاريةٌ لم تَأْكُلِ المرقَّقَا   ولم تَذُقْ من البقول الفُسْتُقا
أي: بدلكم وبدل البقول، والمعنى: من أولاد قوم متقدمين أصلهم آدم. وقال الزمخشري: " من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثلِ صفتكم وهم أهل سفينة نوح ". وقرأ أُبَيّ بن كعب " ذَرِّيَّة " بفتح الذال، وأبان بن عثمان " ذَرِيَّة " بتخفيف الراء مكسورة، ويروى عنه أيضاً " ذَرْية " بوزن ضَرْبَة وقد تقدَّم تحقيق ذلك.