الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ }: يجوزُ أن ينتصب بفعل مقدَّر فقدَّره أبو البقاء تارةً بـ " اذكر " وتارةً بالقول المحذوف العامل في جملة النداء من قوله " يا مَعْشَر " أي: ويقول: يا معشرَ يوم نحشرهم، وقَدَّره الزمخشري: " ويوم يَحشرهم وقلنا كان ما لا يوصف لفظاعته ". قال الشيخ: " وما قلناه أَوْلَى " يعني مِنْ كونه منصوباً بـ " يقول " المحكي به جملة النداء " قال: " لاستلزامه حذفَ جملتين إحداهما جملة " وقلنا " والأخرى العاملة في الظرف ". وقَدَّره الزجاج بفعل قول مبني للمفعول: يُقال لهم يا معشر يوم نحشرهم، وهو معنى حسن، كأنه نظر إلى معنى قوله " ولا يُكَلِّمهم ولا يزكِّيهم " فبناه للمفعول، ويجوز أن ينتصب " يوم " بقوله " وليُّهم " لما فيه من معنى الفعل أي: وهو يتولاَّهم بما كانوا يعملون ويتولاَّهم يوم يحشرهم. و " جميعاً " حال أو توكيد على قول بعض النحويين. وقرأ حفص " يحشرهم " بياء الغيبة ردَّاً على قوله " ربهم " أي: ويوم يحشرهم ربُّهم.

قوله: { يَا مَعْشَرَ } في محلِّ نصب بذلك القول المضمرِ أي: يقول أو قلنا، وعلى تقدير الزجاج يكون في محل رفعٍ لقيامِه مَقام الفاعل المنوب عنه. والمعشرُ: الجماعة قال:
2056ـ وأبغضُ مَنْ وضعتُ إليَّ فيه   لساني معشرٌ عنهم أذودُ
والجمع: معاشر، كقوله عليه السلام: " نحن معاشرَ الأنبياء لا نورث " وقال الأودي:
2057ـ فينا معاشرُ لن يَبْنوا لقومِهمُ   وإن بَنى قومُهمْ ما أفسدوا عادوا
وقوله { مِّنَ ٱلإِنْسِ } في محلّ نصب على الحال أي: أولياءهم حال كونهم من الإِنس، ويجوز أن تكون " مِنْ " لبيانِ الجنس؛ لأنَّ أولياءهم كانوا إنساً وجِنَّاً والتقدير: أولياؤهم الذين هم الإِنس. وربَّنا حُذِفَ منه حرف النداء. والجمهور على " أَجَلَنا " بالإِفراد لقوله " الذي ". وقرئ " آجالنا " بالجمع على أفعال، " الذي " بالإِفراد/ والتذكير، وهو نعت للجمع، فقال أبو علي: " هو جنس أوقع الذي موقع التي ". قال الشيخ: " وإعرابه عندي بدل كأنه قيل: الوقت الذي، وحينئذٍ يكون جنساً ولا يكون إعرابُه نعتاً لعدم المطابقة بينهما ".

قوله " خَالِدِينَ " منصوبٌ على الحال وهي حالٌ مقدرة. وفي العامل فيها ثلاثة أوجه أحدها: أنه " مثواكم " لأنه هنا اسمُ مصدر لا اسم مكان، والمعنى: النار ذات ثوائكم، أي إقامتكم في هذه الحال، ولذلك ردَّ الفارسي على الزجاج حيث قال: المثوى المقام أي: النار مكان ثوائكم أي إقامتكم. قال الفارسي: " المَثْوى عندي في الآية اسم المصدر دون المكان لحصول الحال معملاً فيها، واسم المكان لا يعمل عملَ الفعل لأنه لا معنى للفعل فيه، وإذا لم يكن مكاناً ثبت أنه مصدر، والمعنى: النار ذات إقامتكم فيها خالدين، فالكاف والميم في المعنى فاعلون وإن كان في اللفظ خفضاً بالإِضافة، ومثلُ هذا قولُ الشاعر:

السابقالتالي
2 3 4