الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

قوله: { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ }: قد تقدَّم الخلافُ في " يُظاهِرون " في سورةِ الأحزاب وكذا في " اللائي " فأَغْنَى عن إعادتِه هنا وأُبي هنا " يَتَظاهَرُون " وعنه أيضاً " يَتَظَهَّرُوْن ". وفي " الذين " وجهان، أحدهما: أنه مبتدأٌ، وخبرُه قولُه: { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ }. والثاني: أنَّه منصوبٌ بـ " بصير " على مذهبِ سيبويهِ في جوازِ إعمالِ فَعيل، قاله مكي، يعني أنَّ سيبويه يُعْمل فعيلاً من أمثلةِ المبالغةِ، وهو مذهبٌ مَطْعونٌ فيه على سيبويِهِ؛ لأنه استدلَّ على إعمالِه بقولِ الشاعر:
4238ـ حتى شآها كَليلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ   باتَتْ طِراباً وبات الليلَ لم يَنَمِ
ورُدَّ عليه: بأنَّ " مَوْهِناً " ظرفُ زمانٍ، والظروفُ تعملُ فيها روائحُ الأفعالِ. وللكلامِ في المسألةِ موضعٌ هو أليقُ به مِنْ هنا ولكنَّ المعنى يَأْبى ما قاله مكيٌّ.

وقرأ العامَّةُ " أمَّهاتِهم " بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى كقولِه:مَا هَـٰذَا بَشَراً } [يوسف: 31] وعاصم في روايةٍ بالرفعِ على اللغةِ التميميةِ، وإنْ كانَتْ هي القياسَ لعدمِ اختصاصِ الحرفِ. وقرأ عبدُ الله " بأمَّهاتهم " بزيادة الباءِ، وهي تحتمل اللغتين. وقال الزمخشري: " وزيادةُ الباء في لغة مَنْ ينصِبُ ". قلت: هذا هو مذهبُ أبي علي، يرى أنَّ الباءَ لا تُزاد إلاَّ إذا كانَتْ " ما " عاملةً فلا تُزاد في التميمية ولا في الحجازيةِ إذا مَنَعَ مِنْ عملها مانعٌ نحو: " ما إنْ زيدٌ بقائمٍ ". وهذا مردودٌ بقولِ الفرزدق وهو تميمي:
4239ـ لَعَمْرُك ما مَعْنٌ بتارِكِ حقِّه   ولا مُنْسِىءٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ
وبقول الآخر:
4240ـ لَعَمْرُك ما إنْ أبو مالكٍ   بواهٍ ولا بضعيفٍ قِواهْ
فزادها مع " ما " الواقع بعدها " إنْ ".

قوله: { مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } نعتان لمصدر محذوف أي: قولاً منكراً، وزوراً أي: كذباً وبُهْتاناً قاله مكي وفيه نظرٌ؛ إذ يصيرُ التقدير: ليقولون قولاً منكراً من القول، فيصير قولُه " من القول " لا فائدةً فيه. والأَوْلَى أَنْ يُقال: نعتان لمعفولٍ محذوفٍ لفهم المعنى أي: ليقولونَ شيئاً مُنْكراً من القولِ لتفيدَ الصفة غيرَ ما أفاده الموصوفُ.