قوله: { أَلاَّ تُنفِقُواْ } كقوله{ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ } [البقرة: 246] فالأصلُ: في أن لا تُنْفِقُوا، فلمَّا حُذِف حرفُ الجرِّ جَرى الخلافُ المشهورُ. وأبو الحسن يرى زيادتَها كما تقدَّم تقريرُه في البقرة. قوله: { وَللَّهِ مِيرَاثُ } جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعل الاستقرار ومفعولِه، أي: وأيُّ شيءٍ يمنعُكم من الإِنفاقِ في سبيلِ اللهِ والحالُ أنَّ ميراثَ السماواتِ والأرضِ له، فهذه حالٌ منافيةٌ لبُخْلِكم. قوله: { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَق } في فاعل " يَسْتوي " وجهان، أظهرُهما: أنه مِنْ أَنْفَق، وعلى هذا فلا بُدَّ مِنْ حذفِ معطوفٍ يتمُّ به الكلامُ، فقدَّره الزمخشري: " لا يَسْتوي منكم مَنْ أنفقَ قبلَ فتحِ مكةَ وقوةِ الإِسلام ومَنْ أنفق مِنْ بعدِ الفتح، فَحَذَفَ لوضوحِ الدلالة " وقَدَّره أبو البقاء " ومَنْ لم يُنْفِق " قال: " ودلَّ على المحذوفِ قولُه: { مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ } والأول أحسنُ لأنَّ السِّيَاقَ إنما جيء بالآية ليُفرِّق بين المُنْفِقين في زمانَيْنِ. والثاني: أنَّ فاعلَه ضميرٌ يعود على الإِنفاقِ، أي: لا يَسْتوي جنسُ الإِنفاقِ إذ منه ما وَقَعَ قبل الفتح، ومنه ما وَقَعَ بعدَه، فهذان النوعان متفاوتان. وعلى هذا فتكون " مَنْ " مبتدأ و " أولئك " مبتدأٌ ثانٍ و " أَعظَمُ " خبرُه، والجملةُ خبرُ " مَنْ " وهذا ينبغي أن لا يجوزَ البتةَ، وكأنَّ هذا المُعْرِبَ غَفَل عن قولِه: " منكم " ولو أعربَ هذا القائلُ " منكم " خبراً مقدماً، و " مَنْ " مبتدأ مؤخراً. والتقدير: مِنْكم مَنْ أنفق من قبلِ الفتحِ، ومنكم مَنْ لم يُنْفِقْ قبلَه ولم يقاتِلْ، وحُذِف هذا لدلالةِ الكلامِ عليه لكان سديداً، ولكنه سها عن لفظةِ " منكم ". قوله: { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } قراءةُ العامَّةِ بالنصبِ على أنه مفعولُ مقدمٌ، وهي مرسومةٌ في مصاحفِهم " وكلاً " بألفٍ، وابنُ عامر برفعِه، وفيه وجهان، أظهرُهما: أنه ارتفعَ على الابتداءِ، والجملة بعدَه خبرٌ، والعائدُ محذوفٌ، أي: وعده اللهُ. ومثلُه:
4231ـ قد أصبحَتْ أمُّ الخِيار تَدَّعِي
عليَّ ذَنْباً كلُّه لم أَصْنَعِ
برفع " كلُّه " ، أي: لم أَصْنَعْه. والبصريُّون لا يُجيزون هذا إلاَّ في شعرٍ كقولِه:
4232ـ وخالِدٌ يَحْمَدُ ساداتُنا
بالحقِّ لا يُحْمَدُ بالباطلِ
وقد نقل ابن مالك الإِجماعَ من البصريين والكوفيين على جواز ذلك إنْ كان المبتدأ " كلاً " أو ما أشبهَها في الافتقار والعمومِ، وهذا لم أَرَه لغيره. وقد تقدَّم نحوٌ مِنْ ذلك في سورة المائدةِ عند قولِه:{ أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } [المائدة:50] ولم يُرْوَ قولُه: " كلُّه لم أصنَع " إلاَّ بالرفعِ مع إمكانِ أَنْ ينصبَه فيقول: " كلَّه لم أصنعِ " مفعولاً مقدَّماً. قال أهل البيان: لأنه قصد عمومَ السلبِ لا سَلْبَ العمومِ، فإن الأولَ أبلغُ، وجعلوا من ذلك قولَه عليه السلام: