قوله: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه على التهكُّم بهم؛ لأنهم وَضَعوا الشيءَ غيرَ موضعِه كقولك: " شَتَمني حيث أَحْسَنْتُ إليه " أي: عَكَسَ قضيةَ الإِحسانِ ومنه:
4230ـ كأن شُكْرَ القَوْمِ عند المِنَنِ
كيُّ الصَحيحاتِ وفَقْءُ الأعينِ
أي: شُكْرَ رِزْقِكم تكذيبَكم، الثاني: أنَّ ثَمَّ مضافَيْنِ محذوفَيْنِ، أي: بَدَل شُكْرِ رِزْقكم ليَصِحَّ المعنى قاله جمال الدين بن مالك، وقد تقدَّم لك في قولِه:{ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ } [النجم: 9] أكثرُ من هذا. الثالث: أنَّ الرِّزْقَ هو الشُّكْرُ في لغةِ أزدِ شنوءة: ما رَزَقَ فلانٌ فلاناً أي: ما شكره، فعلى هذا لا حَذْفَ البتةَ، ويُؤَيِّدُهُ قراءةُ علي بنِ أبي طالب وتلميذِه عبد الله بن عباس رضي الله عنهم " وتَجْعَلون شُكْرَكم " مكان " رِزْقَكم ". وقرأ العامَّةُ " تُكَذِّبون " من التكذيب. وعلي رضي الله عنه وعاصمٌ في رواية المفضل عنه " تَكْذِبون " مخففاً من الكَذِب.