الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ }

قوله: { إِذَا وَقَعَتِ }: فيها أوجهٌ أحدها: أنها ظرفٌ محْضٌ ليس فيه معنى الشرط والعامل فيها " ليس ". والثاني: أنَّ العاملَ فيها اذْكُر مقدراً. قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: بم انتصبت " إذا "؟ قلت: بليس، كقولك: " يومَ الجمعة ليس لي شُغْلٌ " ثم قال: " أو بإضمارِ اذكُرْ ". قال الشيخ: " ولا يقول هذا نَحْوِيٌّ، ولا مَنْ شدا شيئاً مِنْ صناعةِ النحوِ ". قال: " لأن " لَيْسَ " مثل " ما " النافية، فلا حَدَثَ فيها، فكيف يعملُ في الظرف مِنْ غير حَدَثٍ؟ وتَسْمِيتُها فِعْلاً مجازٌ. فإنَّ حَدَّ الفعل غير مُنْطَبِقٍ عليها " ، وكَثَّرَ الشيخُ عليه من هذا المعنى. ثم قال: " وأما المثال الذي نَظَّر به فالظرف ليس معمولاً لـ " ليس " بل للخبر، وتقَدَّمَ معمولُ خبرِها عليها، وهي مسألةُ خلاف " انتهى. قلت: الظروفُ تعملُ فيها روائحُ الأفعالِ. ومعنى كلامِ الزمخشريِّ: أنَّ النفي المفهومَ مِنْ " ليس " هو العاملُ في " إذا " كأنه قيل: ينفي كَذِبُ وقوعِها إذا وَقَعَتْ. ويدلُّ على ما قُلْتُه قولُ أبي البقاء: " والثاني ظرفٌ لِما دَلَّ عليه { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } ، أي: إذا وقعت لم تكذبْ " فإنْ قيل فَلْيَجُزْ ذلك في " ما " النافية أيضاً، فالجواب: أنَّ الفعلَ أقربُ إلى الدلالةِ على الحَدَثِ من الحرفِ.

الثالث: أنَّها شرطيةٌ. وجوابُها مقدرٌ، أي: إذا وقعَتْ كان كيتَ وكيتَ، وهو العاملُ فيها. والرابع: أنها شرطيةٌ، والعاملُ فيها الفعلُ الذي بعدَها ويليها، وهو اختيارُ الشيخ، وتبَع في ذلك مكيَّاً. قال مكي: " والعاملُ فيها " وَقَعَتْ " لأنها قد يُجازى بها، فعَمِل فيها الفعلُ الذي بعدها كما يَعْمل في " ما " و " مَنْ " اللتَيْن للشرط في قولك: ما تفعَلُ أفعَلْ، ومَنْ تُكرِمْ أُكْرِمْ " ، ثم ذكر كلاماً كثيراً. الخامس: أنها مبتدأٌ، و " إذا رُجَّتْ " خبرُها، وهذا على قولِنا: إنها تَتَصرَّفُ، وقد مَضَى القولُ فيه مُحرَّراً، إلاَّ أن هذا الوجهَ إنما جَوَّزه الشيخُ، جمالُ الدين ابن مالك وابن جني وأبو الفضل الرازي على قراءةِ مَنْ نصب " خافضةً رافعةً " على الحالِ. وحكاه بعضُهم عن الأخفش، ولا أدري اختصاص ذلك يوجه النصب.

السادس: أنه ظرفٌ لـ " خافضة " أو " رافعة " ، قاله أبو البقاء، أي: إذا وَقَعَتْ خَفَضَتْ ورفعَتْ. السابع: أَنْ يكونَ ظرفاً لـ " رُجَّتْ " " وإذا " الثانيةُ على هذا إمَّا بدلٌ من الأولى أو تكريرٌ لها. الثامن: أنَّ العاملَ فيه ما دلَّ عليه قوله: { فأصحابُ المَيْمَنَةِ } ، أي: إذا وَقَعَتْ باتَتْ أحوالُ الناسِ فيها.

السابقالتالي
2 3