الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ }

قوله: { لاَّ يُصَدَّعُونَ }: يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفة أخبر عنهم بذلك، وأن تكونَ حالاً من الضمير في " عليهم " ومعنى لا يُصَدَّعون عنها أي: بسببها. قال الزمخشري: " وحقيقتُه: لا يَصْدُرُ صُداعُهم عنها " والصُّداع: هو الداءُ المعروفُ الذي يَلْحَقُ الإِنسانَ في رأسِه، والخمر تؤثِّر فيه. قال علقمة بن عبدة في وصف الخمر:
4210ـ تَشْفي الصُّداعَ ولا يُؤْذِيك صالبُها   ولا يخالِطُها في الرأس تدويمُ
ولما قرأت هذا الديوان على الشيخ أثير الدين أبي حيان رحمه الله قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقال لي: لَمَّا قرأتُه على الشيخ أبي جعفر ابن الزبير قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقيل: لا يُصَدَّعون: لا يُفَرَّقون كما يتفرَّق الشَّربُ عن الشَّراب للعوارض الدنيوية. ومِنْ مجيء تَصَدَّعَ بمعنى تَفَرَّق قولُه: " فتصدَّع السحابُ عن المدينة " ، أي: تفرَّق. ويُرَجِّحه قراءةُ مجاهد " لا يَصَّدَّعون " بفتح الياءِ وتشديد الصادِ. والأصلُ: يَتَصَدَّعون، أي: يتفرَّقون كقوله تعالى:يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم: 43]. وحكى الزمخشري قراءةً وهي " لا يُصَدِّعون " بضم الياء وتخفيفِ الصادِ وكسرِ الدال مشددةً. قال: أي لا يُصَدِّعُ بعضُهم بعضاً، أي: لا يُفَرِّقُونهم. وتقدَّم الخلافُ بين السبعة في " يُنزِفُونَ " وتفسيرُ ذلك.

وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء وكسر الزاي مِنْ نَزَفَ البِئْرُ، أي: اسْتُقِيَ ما فيها. والمعنى: لا تَنْفَدُ خمرُهم. قال الشيخ: " وابن أبي إسحاق أيضاً، وعبد الله والجحدريُّ والأعمش وطلحة وعيسى، بضمِّ الياء وكسر الزاي أي: لا يَفْنى لهم شراب ". قلت: وهذا عجيبٌ منه فإنَّه قد تقدَّم في الصافات أن الكوفيين يَقْرَؤون في الواقعة بكسر الزاي، وقد نقل هو هذه القراءة في قصيدته.