الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }

قوله: { خُشَّعاً }: قرأ أبو عمر والأخَوان " خاشِعاً " وباقي السبعة " خُشَّعاً ". فالقراءةُ الأولى جاريةٌ على اللغةِ الفُصْحى مِنْ حيث إن الفعلَ وما جرى مَجْراه إذا قُدِّمَ على الفاعلِ وُحِّد. تقول: تَخْشَع أبصارُهم ولا تقولُ: تَخْشَعْن أبصارُهم، وأنشد قولَ الشاعر:
4149ـ وشَبابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهُمْ   مِنْ إيادِ بنِ نزارِ بنِ مَعَدّْ
وقال آخر:
4150ـ يَرْمي الفِجاجَ بها الرُّكبانُ معْتَرِضاً   أعناقَ بُزَّلِها مُرْخى لها الجُدُلُ
وأمَّا الثانيةُ فجاءَتْ على لغة طَيِّىء يقولون: أكلوني البراغيث. وقد تقدَّم القولُ في هذا مشبعاً في المائدة والأنبياء. ومثلُه قولُ الآخر:
4151ـ بمُطَّرِدٍ لَدْنٍ صِحاح كُعُوبُه   وذي رَوْنَقٍ عَضْبٍ يَقُدُّ القَوانِسا
وقيل: وجمعُ التكسير في اللغة في مثل هذا أكثرُ من الإِفراد. وقرأ أُبَيٌّ وعبد الله " خاشعةً " على تَخْشَعُ هي. وقال الزمخشري: " وخُشَّعاً على: تخشَعْن أبصارهم، وهي لغةُ مَنْ يقول: أكلوني البراغيث وهم طيىء " ، قال الشيخ: " ولا يَجْري جمعُ التكسيرِ مَجْرى جمعِ السلامةِ، فيكون على تلك اللغةِ النادرِ القليلةِ. وقد نَصَّ سيبويه على أنَّ جمعَ التكسيرِ في كلام العربِ أكثرُ، فكيف يكونُ أكثرَ، ويكون على تلك اللغةِ النادرةِ القليلة؟ وكذا قال الفراء حين ذكر الإِفراد مذكراً ومؤنثاً وجمعَ التكسيرِ، قال: " لأنَّ الصفةَ متى تَقَدَّمَتْ على الجماعة جاز فيها جميعُ ذلك، والجمعُ موافِقٌ لِلَفْظِها فكان أشبهَ " قال الشيخ: " وإنما يُخَرَّجُ على تلك اللغةِ إذا كان الجمعُ جَمْعَ سلامةٍ نحو: " مَرَرْتُ بقومٍ كريمين آباؤُهم " والزمخشريُّ قاسَ جَمْعَ التكسيرِ على جَمْعِ السلامةِ وهو قياسٌ فاسدٌ يَرُدُّه النَّقْلُ عن العربِ: أنَّ جَمْعَ التكسيرِ أجودُ من الإِفرادِ، كما ذكره سيبويهِ، ودَلَّ عليه كلامُ الفراء ". قلت: قد خَرَّج الناسُ قولَ امرىء القيس:
4152ـ وُقوفاً بها صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ   يقولون: لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَمَّلِ
على أنَّ " صحبي " فاعل بـ " وقوفاً " وهو جمعُ واقِف في أحدِ القولين في " وقوفاً ". وفي انتصابِ خاشعاً وخُشَّعاً وخاشعةً أوجهٌ، أحدُها: أنه مفعولٌ به وناصبُه " يَدْعُ الداعِ " وهو في الحقيقةِ لموصوفٍ محذوفٍ تقديرهُ: فريقاً خاشعاً، أو فوجاً خاشعاً. والثاني: أنه حالٌ مِنْ فاعل " يَخْرُجون " المتأخرِ عنه. ولَمَّا كان العاملُ متصرِّفاً جاز تقدُّمُ الحالِ عليه، وهو رَدٌّ على الجرميِّ حيث زعم أنه لا يجوزُ. ورُدَّ عليه أيضاً بقول العرب: " شَتَّى تَؤُوب الحَلَبَة " ، فـ " شتى " حالٌ من " الحلَبَة " وقال الشاعر:
4153ـ سَريعاً يهون الصَّعْبُ عند أُولي النُّهى   إذا برجاءٍ صادقٍ قابلوا البأسا
الثالث: أنه حالٌ من الضمير في " عنهم " ولم يذكر/ مكيٌّ غيره.

السابقالتالي
2