الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ }: " ما " استفهاميةٌ في محل رفع بالابتداء، و " لنا " جارٌّ ومجرورٌ خبرُه، تقديرُه: أيُّ شيء استقر لنا، و " لا نؤمن " جملة حالية. وقد تقدَّم نظيرُ هذه الآية والكلامُ عليها، وأنَّ بعضَهم قال: إنها حال لازمة لا يتمُّ المعنى إلا بها نحو:فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [المدثر: 49]، وتقدَّم ما قلتُه فيه فأغنى ذلك عن إعادتِه. وقال الشيخ هنا: " وهي المقصودُ وفي ذكرِها فائدةُ الكلام، وذلك كما تقول: " جاء زيدٌ راكباً " لِمَنْ قال: هل جاء زيدٌ ماشياً أو راكباً؟.

قوله: { وَمَا جَآءَنَا } في محلِّ " ما " وجهان، أحدهما: أنه مجرور نسقاً على الجلالة أي: بالله وبما جاءَنا، وعلى هذا فقوله: " من الحق " فيه احتملان، أحدُهما: أنه حالٌ من فاعل " جاءنا " أي: جاء في حال كونِه من جنسِ الحقِّ. والاحتمال الآخر: أن تكونَ " مِنْ " لابتداء الغاية، والمرادُ بالحقِّ الباري تعالى، وتتعلَّقُ " مِنْ " حينئذ بـ " جاءنا " كقولك " جاءَنا فلانُ من عند زيد " ، والثاني: أنَّ محلَّه رفعٌ بالابتداء، والخبر قوله: { مِنَ ٱلْحَقِّ } والجملةُ في موضع الحال، كذا قاله أبو البقاء ويصيرُ التقدير: وما لنا لا نؤمِنْ بالله والحالُ أنَّ الذي جاءنا كائنٌ من الحق، " والحقُّ " يجوز أن يُراد به القرآنُ فإنه حقُّ في نفسه، ويجوزُ أن يُراد به الباري تعالى - كما تقدَّم - والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تضمَّنه قولُه " لنا ".

قوله: { وَنَطْمَعُ } في هذه الجملة ستة اوجه، أحدها: أنها منصوبة المحلِّ نسقاً على المحكيِّ بالقَول قبلَها أي: يقولون كذا ويقولون نطمع وهو معنىً حسن. / الثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال من الضمير المستتر في الجارِّ الواقعِ خبراً وهو " لنا " لأنه تضمَّنَ الاستقرارَ، فرفع الضمير وعَمِلَ في الحال، وإلى هذا ذهبَ أبو القاسم فإنه قال: " والواو في " ونطمعُ " واو الحال، فإنْ قلت: ما العاملُ في الحال الأولى والثانية؟ قلت: العاملُ في الأولى ما في اللام من معنى الفعلِ كأنه قيل: أيُّ شيء حَصَل لنا غيرَ مؤمنين، وفي الثانية معنى هذا الفعل ولكن مقيداً بالحال الأولى لأنك لو أَزَلْتَها وقلت: " ما لنا ونطمعُ " لم يكنْ كلاماً ". وفي هذا الكلامِ نظرٌ وهو قولُه: " لأنَّك لو أَزَلْتَها إلى آخره " لأنَّا إذا أَزَلْناها وأتينا بـ " نطمع " لم نأتِ بها مقترنةً بحرفِ العطف، بل مجردةٌ منه لنحُلَّها محلَّ الأولى، ألا ترى أنَّ النحويين إذا وضعوا المعطوفَ موضعَ المعطوف عليه وضعوه مجرداً من حرفِ العطف، ورأيتُ في بعض نسخ الكشاف: " ما لنا نطمعُ " من غير واوٍ مقترنةٍ بـ " نطمعُ " ولكن أيضاً لا يَصِحُّ لأنك لو قلت: " ما لنا نطمعُ " كان كلاماً كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3