الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

قوله تعالى: { مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }: في محلِّ نصبٍ على الحال، وصاحبُها: إمَّا " الذين " وإمَّا " واو " كفروا " وهم بمعنًى واحدٍ. وقوله: { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى } المرادُ باللسانِ الجارحةُ لا اللغةُ، كذا قال الشيخ يعني أنَّ الناطقَ بِلَعْنِ هؤلاء لسانُ هذين النبيين، وجاء قولُه { عَلَىٰ لِسَانِ } بالإِفراد دون التثنيةِ والجمعِ فلم يَقُلْ: " على لسانَيْ " ولا " على ألسنةِ " لقاعدةٍ كليةٍ، وهي: أن كلَّ جزأين مفردين من صاحبيهما إذا أُضيفا إلى كليهما من غيرِ تفريقٍ جازَ فيهما ثلاثةُ أوجهٍ، لفظُ الجمعِ - وهو المختارُ - ويليه التثنيةُ عند بعضِهم، وعند بعضِهم الإِفرادُ مقدمٌ علة التثنيةِ، فيقال: " قَطَعْتُ رؤوسَ الكبشين " وإنْ شئت: رأسَي الكبشين، وإن شئت: رأسَ الكبشين، ومنه:فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4]، فقولي " جزأين " تحرُّزٌ من شيئين ليسا بجزأين نحو: " درهميكما " وقد جاء: " من بيوتِكما وعمائمكما وأسيافمكا " لأَمْنِ اللَّبْسِ، وبقولي: " مفردين " من نحو: " العينين واليدين " فأمَّا قولُه تعالى:فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38] ففُهِم بالإِجماع وبقولي: " من غيرِ تفريق " تحرُّزٌ من نحو: قَطَعْتُ رأسي الكبشين: السمينِ والكبشِ الهزيل " ، ومنه هذه الآية فلا يجوزُ إلا الإِفرادُ وقال بعضهم: " وهو مختارٌ " أي: فيجوز غيرُه. وقد مضى تحقيقُ هذه القاعدةِ في سورة المائدة بكلامٍ طويٍ فعليك بالالتفاتِ إليه.

وفي النفسِ من كونِ المرادِ باللسان الجارحةَ شيءٌ، ويؤيد ذلك ما قاله الزمخشري فإنه قال: " نَزَّل اللّهُ لَعْنَهم في الزبور على لسانِ داود، وفي الإِنجيل على لسانِ عيسى وقوةُ هذا تَأْبى كونَه الجارحةَ، ثم أني رأيتُ الواحدي ذكرَ عن المفسرين قولين، ورجَّح ما قلته قال - رحمه الله -: " وقال ابن عباس: يريد في الزبور وفي الإِنجيلِ، ومعنى هذا أنَّ اللَهَ تعالى لَعَنَ في الزبور مَنْ يكفر من بني إسرائيل وكذلك في الإِنجيل، وقيل: على لسان داود وعيسى؛ لأنَّ الزبورَ لسانُ داود والإِنجيلَ لسانُ عيسى " فهذا نصٌّ في أن المراد باللسانِ غيرُ الجارحة، ثم قال: " وقال الزجاج: " وجائزٌ أن يكون داود وعيسى عَلِما أنَّ محمداً نبيٌّ مبعوثٌ، وأنهما لَعَنا مَنْ يكفر به " والقول هو الأول، فتجويزُ الزجاجِ لذلك ظاهرٌ أنه يُراد باللسانِ الجارحةُ ولكن ليس قولاً للمفسرين. و " على لسانِ " متعلِّقٌ بـ " لعن " قال أبو البقاء: " كما يُقال: جاء زيدٌ على فرس ". وفيه نظرٌ إذ الظاهر أنه حالٌ. وقولُه: " ذلك بما عَصَوْا " قد تقدَّم نظيره قوله: { وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } في هذه الجملة الناقصةِ وجهان، أظهرهما: أن تكونَ عطفاً على صلةِ " ما " وهو " عَصَوْا " أي: ذلك بسب عصيانِهم وكونِهم معتدين. والثاني: أنها استئنافيةٌ أي: أخبر الله تعالى عنهم بذلك. قال الشيخ: " ويُقَوِّي هذا ما جاءَ بعده كالشرحِ له، وهو قولُه: { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ }.