قوله تعالى: { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ }: كقوله:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ } [آل عمران: 144]. و " قد خَلَتْ " صفةٌ له كما في الآيةِ الأخرى. وتقدَّم معنى الحصرِ. وقوله: { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } ابتداءٌ وخبرٌ، ولا محلَّ لهذه الجملةِ من الإِعراب. و " صِدِّيقَةٌ " تأنيثُ " صِدِّيق " وهو بناء مبالغة كـ " فَعّال " و " فَعُول " إلا أنه لا يعمل عملَ أمثلةِ المبالغة، فلا يقال: " زيدٌ شِرِّيبٌ العسلَ " كما يقال: " شَرَّابٌ العسلَ " وإن كان القياس إعمالَه، وهل هو مِنْ " صَدَق " الثلاثي أو من " صَدَّق " مضعفاً؟ القياسُ يقتضي الأولَ، لأنَّ أمثلةَ المبالغةِ تَطَّرِدُ من الثلاثي دونَ الرباعي، فإنه لم يَجيء منه إلا القليلُ. وقال الزمخشري: " انه من التصديق " وكذا ابنُ عطية، إلا أنَّه جَعَله محتملاً، وهذا واضحٌ لقوله: { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا } فقد صَرَّح بالفعلِ المسند إليها مضعفاً. وقوله: { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } لا محلَّ له لأنه اسئنافٌ وبيان لكونِهما كسائرِ البشرِ في احتياجِهما إلى مايَحْتاج إليه كلُّ جسمٍ مُولَدٍ، والإلهُ الحقُّ منزَّهٌ عن ذلك. وقال بضعهم: " هو كناية عن احتياجهما إلى التغَوُّطِ " ولا حاجة إليه. قوله: " كيف " منصوب بقوله: " نُبَيِّن " بعده، وتقدم ما فيه في قوله:{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ } [البقرة: 28] وغيرِه، ولا يجوز أن يكونَ معمولاً لِما قبله لأن له صدرَ الكلام، وهذه الجملةُ الاستفهامية في محلِّ نصب لأنها معلقةٌ للفعل قبلها. وقوله: { ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } كالجملةِ قبلَها، " وأَنَّى " بمعنى كيف، و " يُؤْفكون " ناصبٌ لـ " أنَّى " ويُؤْفكون: بمعنى يُصْرَفُون.