الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { وَيَقُولُ }: قرأ أبو عمرو والكوفيون بالواو قبل " يقول " والباقون بإسقاطها، إلا أنَّ أبا عمرو ونصب الفعل بعد الواو، وروى عنه علي بن نصر الرفع كالكوفيين، فتحصَّل فيه ثلاثُ قراءات: " يقول " من غير واو " ويقول " بالواو والنصب، و " يقول " بالواو والرفع. فأمَّا قراءةُ مَنْ قرأ " يقول " من غير واو فهي جملةٌ مستأنفة سِيقَتْ جواباً لسؤالٍ مقدر، كأنه لمَّا تقدَّم قولُه تعالى: { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ } إلى قوله: { نَادِمِينَ } سأل سائل فقال: ماذا قال المؤمنون حنيئذ؟ فأجيبَ بقوله تعالى: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إلى آخره، وهو واضح، والواو ساقطةٌ في مصاحف مكة والمدينة والشام، والقارئ بذلك هو صاحبُ هذه المصاحف، فإن القارئين بذلك ابنُ كثير المكي وابن عامر الشامي ونافع المدني، فقراءتُهم موافقةٌ لمصاحفهم، وليس في هذا أنهم إنما قرؤوا كذلك لأجلِ المصحف فقط، بل وافَقَتْ روايتُهم مصاحفَهم على ما بيَّنَتْهُ غيرَ مرة.

وأمَّا قراءة الواو والرفع فواضحة أيضاً لأنها جملة ابتُدئ بالإِخبار بها، فالواوُ استئنافيةٌ لمجرد عطف جملة على جملة، فالواو ثابتة في مصاحف الكوفة والمشرق، والقارئُ بذلك هو صاحبُ هذا المصحف، والكلام كما تقدَّم أيضاً. وأمَّا قراءةُ أبي عمرو فهي التي تحتاج إلى فَضْلِ نظر، واختلف الناسُ في ذلك على ثلاثةِ أوجه، أحدُها: أنه منصوب عطفاً على " فيصحبوا " على أحد الوجهين المذكورين في نصبِ " فيُصْبحوا " وهو الوجه الثاني، أعني كونَه منصوباً بإضمار " أَنْ " في جوابِ الترجِّي بعد الفاء إجراءً للترجِّي مُجْرى التمني، وفيه خلافٌ مشهور بين البصريين والكوفيين، فالبصريون يمنعونَه والكوفيون يُجيزونه مستدلِّين على ذلك بقراءِة نافع: { لعله يزَّكى أو يَذَّكَّرُ فتنفعَه } بنصب " تنفعه " وبقراءة عاصم في رواية حفص: " لعلي أبلغُ الأسبابَ أسبابَ السماواتِ فأطَّلِعَ " بنصب " فأطَّلِعَ " وسيأتي الجوابُ عن الآيتين الكريمتين في موضعِه. وهذا الوجهُ - أعني عطفَ " ويقول " على " فيصبحوا " قال الفارسي وتبعه جماعةٌ، ونقله عنه أبو محمد بن عطية، وذكرَه أبو عمرو بن الحاجب أيضاً، قال الشيخ شهابُ الدين أبو شامة بعد ذكره الوجهَ المتقدِّم: " وهذا وجهٌ جيد أفادنيه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب ولم أَرَه لغيرِه، وذكروا وجوهاً كلُّها بعيدةٌ متعسِّفة " انتهى. قلت: وهذا - كما رأيتَ - منقولٌ مشهور عن أبي علي الفارسي، وأمَّا استجادتُه هذا الوجهَ فإنما يتمشى على قول الكوفيين، وهو مرجوحٌ كما تقرر في علم النحو.

الثاني: أنه منصوبٌ عطفاً على المصدر قبلَه وهو الفتحُ كأنه قيل: فعسى اللَّهُ أن يأتِيَ بالفتحِ وبأَنْ يقولَ، أي: وبقولِ الذين آمنوا، وهذا الوجهُ ذكره أبو جعفر النحاس، / ونظَّره بقول الشاعر:

السابقالتالي
2 3