الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قوله تعالى: { وَلْيَحْكُمْ }: قرأ الجمهورُ بسكونِ اللامِ وجزمِ الفعل بعدها على أنها لامُ الأمر سُكِّنَتْ تشبيهاً بـ " كَتْف " وإن كان أصلها الكسرَ، وقد قرأ بعضُهم بهذا الأصلِ. وقرأ حمزة - رحمه الله - بكسرِها ونصبِ الفعل بعدها، جعلها لامَ كي، فنصبَ الفعلَ بعدها بإضمار " أن " على ما تقرر غيرَ مرة، فعلى قراءة الجمهور والشاذ تكونُ جملةً مستأنفة، وعلى قراءة حمزة يجوز أن تتعلق اللام بـ " آتينا " أو بـ " قَفَّيْنا " إن جعلنا " هدى وموعظة " مفعولاً لهما أي: قَفَّيْنا للهدى والموعظة وللحكم، أو آتيناه الهدى والموعظةَ والحكم، وإنْ جعلناهما حالين معطوفين على " مصدقاً " تعلَّق " وليحكم " في قراءته بمحذوف دلَّ عليه اللفظ كأنه قيل: وللحكمِ آيتناه ذلك. قال الزمخشري: " فإنْ قلت: فإنْ نَظَّمْتَ " هدى وموعظة " في سِلْك " مصدقاً " فما تصنعُ بقوله: " وليحكم "؟ قلت: أصنعُ به ما صنعت بـ " هدى وموعظة " حيث جعلتُهما مفعولاً لهما فأقدِّر: " وليحكم أهل الإِنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه " وقال ابن عطية قريباً من الوجه الأول - أعني كون " وليحكم " مفعولاً له عطفاً على " هدى " والعاملُ " آتيناه " الملفوظُ به - فإنه قال: " وآيتناه الإِنجيل ليتضمِّن الهدى والنورَ والتصديق وليحكم أهل الإِنجيل " قال الشيخ: " فعطفَ " وليحكم " على توهُّم علةٍ، ولذلك قال: " ليتضمن " وذكر الشيخُ قولَ الزمخشري السابقَ، وجعله أقربَ إلى الصواب من قول ابن عطية، قال: " لأنَّ الهدى الأول والنور والتصديق لم يؤتَ بها على أنها علةٌ، إنما جيء بقوله { فِيهِ هُدًى وَنُورٌ } على معنى كائناً فيه ذلك ومصدقاً، وهذا معنى الحال، والحالُ لا تكونُ علةً، فقوله: " ليتضمَّن كيتَ وكيت وليحكم " بعيدٌ.

وقد خُتِمت الآيةُ الأولى بـ " الكافرون " والثانية بـ " الظالمون " والثالثة بـ " الفاسقون " لمناسباتٍ ذكرَها الناس، وأحسنُ ما قيل فيها ما ذكره الشعبي من أن الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى، وذلك أنَّ قبل الأولى " فإنْ جاؤوك فاحكُمْ " وكيف " يُحَكِّمونك " ويَحْكُم بها النبيون " وقبل الثانية: " وكَتَبْنا عليهم " وهم اليهود، وقبل الثالثة: " وليحكم أهل الإِنجيل " وهم النصارى، فكأنه خصَّ كلَّ واحدة بما يليه. وقرأ أُبيّ: " وأن ليحكم " بزيادة " أن " ، وليس موضعَ زيادتِها.