الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ }: قد تقدَّم أنَّ " يحزن " يُقرأ بفتحِ الياءِ وضَمِّها وأنهما لغتان، وهل هما بمعنًى أو بينهما فرقٌ؟ والنهيُ للذين في الظاهر وهو من بابِ قوله: " لا أُرَيَنَّكَ ههنا " أي: لا تتعاطَ أسباباً يحصُل لك بها حزنٌ من جهتهم، وتقدم لك تحقيق ذلك مراراً، وقول أبي البقاء في " يحزنك ": " والجيد فتح الياء وضم الزاي، ويُقرأ بضم الياء وكسر الزاي من أحزنني وهي لغة " ليس بجيد، لأنها قراءةٌ متواترةٌ، وقد تقدَّم دليلها في آل عمران و " يُسارعون " من المسارعة، و " في الكفر " متعلق بالفعل قبله، وقد تقدَّم نظيرُها في آل عمران. قوله: { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } يجوز أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل في " يُسارعون " أي: يُسارعون حالَ كونِهم / بعضَ الذين قالوا، ويجوز أن يكونَ حالاً من نفس الموصول وهو قريبٌ من معنى الأول، ويجوز أن تكونَ " مِنْ " بياناً لجنس الموصول الأول وكذلك " مِنْ " الثانية، فتكون تبييناً وتقسيماً للذين يُسارعون في الكفر، ويكون " سَمَّاعون " على هذا خبرَ مبتدأ محذوف. و " آمنَّا " منصوبٌ بـ " قالوا " وبـ " أفواههم " متعلق بـ " قالوا " لا بـ " آمنًّا " بمعنى أنه لم يُجَاوِزْ قولُهم أفواهَهم، إنما نطقوا به غيرَ معتقدين له بقلوِبهم وقوله: { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } جملةٌ حالية.

قوله: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } فيه وجهان، أحدُهما: ما تقدم، وهو أن يكونَ معطوفاً على " من الذين قالوا " بياناً وتقسيماً. والثاني: ان يكونَ خبراً مقدماً، و " سَمَّاعون " مبتدأ والتقدير: " ومن الذين هادوا قومٌ سَمَّاعون " فتكونُ جملةً مستأنفة، إلا أنَّ الوجه الأول مُرَجَّح بقراءة الضحاك: " سَمَّاعين " على الذم بفعل محذوف، فهذا يدل على أن الكلامَ ليس جملةً مستقلة، بل قوله: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } عطفٌ على " من الذين قالوا ". وقوله " سَمَّاعون " مثال مبالغة، و " للكذب " فيه وجهان، أحدُهما أن اللامَ زائدةٌ، و " الكذب " هو المفعول، أي: سَمَّاعون الكذب، وزيادةُ اللامِ هنا مطردةٌ لكونِ العاملِ فَرْعاً فَقَوِي باللام، ومثلُه:فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107]. والثاني: على بابها من التعليل، ويكون مفعول " سَمَّاعون " محذوفاً، أي: سَمَّاعون أخباركم وأحاديثم ليكذبوا فيها بالزيادةِ والنقصِ والتبديلِ بأَنْ يُرْجِفوا بقتل المؤمنين في السرايا كما نُقِل من مخازيهم. وقوله: { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ } يجوز ان تكون هذه تكريراً للأولى، فعلى هذا يجوز أَنْ يتعلَّقَ قولُه " لقوم " بنفس الكذب أي: يَسْمعون ليكذبوا لأجل قوم، ويجوزُ أن تتعلق اللام بنفس " سَمَّاعون " أي: سَمَّاعون لأجلِ قومٍ لم يأتوك لأنهم لبغضِهم لا يقربون مجلسَك وهم اليهودُ، و " لم يأتوك " في محلِّ جرٍّ لأنه صفة لـ " قوم ".

السابقالتالي
2