قوله تعالى: { لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ }: قد تقدَّم أنَّ " يحزن " يُقرأ بفتحِ الياءِ وضَمِّها وأنهما لغتان، وهل هما بمعنًى أو بينهما فرقٌ؟ والنهيُ للذين في الظاهر وهو من بابِ قوله: " لا أُرَيَنَّكَ ههنا " أي: لا تتعاطَ أسباباً يحصُل لك بها حزنٌ من جهتهم، وتقدم لك تحقيق ذلك مراراً، وقول أبي البقاء في " يحزنك ": " والجيد فتح الياء وضم الزاي، ويُقرأ بضم الياء وكسر الزاي من أحزنني وهي لغة " ليس بجيد، لأنها قراءةٌ متواترةٌ، وقد تقدَّم دليلها في آل عمران و " يُسارعون " من المسارعة، و " في الكفر " متعلق بالفعل قبله، وقد تقدَّم نظيرُها في آل عمران. قوله: { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } يجوز أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل في " يُسارعون " أي: يُسارعون حالَ كونِهم / بعضَ الذين قالوا، ويجوز أن يكونَ حالاً من نفس الموصول وهو قريبٌ من معنى الأول، ويجوز أن تكونَ " مِنْ " بياناً لجنس الموصول الأول وكذلك " مِنْ " الثانية، فتكون تبييناً وتقسيماً للذين يُسارعون في الكفر، ويكون " سَمَّاعون " على هذا خبرَ مبتدأ محذوف. و " آمنَّا " منصوبٌ بـ " قالوا " وبـ " أفواههم " متعلق بـ " قالوا " لا بـ " آمنًّا " بمعنى أنه لم يُجَاوِزْ قولُهم أفواهَهم، إنما نطقوا به غيرَ معتقدين له بقلوِبهم وقوله: { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } جملةٌ حالية. قوله: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } فيه وجهان، أحدُهما: ما تقدم، وهو أن يكونَ معطوفاً على " من الذين قالوا " بياناً وتقسيماً. والثاني: ان يكونَ خبراً مقدماً، و " سَمَّاعون " مبتدأ والتقدير: " ومن الذين هادوا قومٌ سَمَّاعون " فتكونُ جملةً مستأنفة، إلا أنَّ الوجه الأول مُرَجَّح بقراءة الضحاك: " سَمَّاعين " على الذم بفعل محذوف، فهذا يدل على أن الكلامَ ليس جملةً مستقلة، بل قوله: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } عطفٌ على " من الذين قالوا ". وقوله " سَمَّاعون " مثال مبالغة، و " للكذب " فيه وجهان، أحدُهما أن اللامَ زائدةٌ، و " الكذب " هو المفعول، أي: سَمَّاعون الكذب، وزيادةُ اللامِ هنا مطردةٌ لكونِ العاملِ فَرْعاً فَقَوِي باللام، ومثلُه:{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107]. والثاني: على بابها من التعليل، ويكون مفعول " سَمَّاعون " محذوفاً، أي: سَمَّاعون أخباركم وأحاديثم ليكذبوا فيها بالزيادةِ والنقصِ والتبديلِ بأَنْ يُرْجِفوا بقتل المؤمنين في السرايا كما نُقِل من مخازيهم. وقوله: { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ } يجوز ان تكون هذه تكريراً للأولى، فعلى هذا يجوز أَنْ يتعلَّقَ قولُه " لقوم " بنفس الكذب أي: يَسْمعون ليكذبوا لأجل قوم، ويجوزُ أن تتعلق اللام بنفس " سَمَّاعون " أي: سَمَّاعون لأجلِ قومٍ لم يأتوك لأنهم لبغضِهم لا يقربون مجلسَك وهم اليهودُ، و " لم يأتوك " في محلِّ جرٍّ لأنه صفة لـ " قوم ".