قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ }: مبتدأٌ، وخبرُه: " أن يُقَتَّلوا " وما عُطف عليه، أي: إنما جزاؤهم التقتيل أو التصليب أو النفي. وقوله: { يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ } أي: يحاربون أولياءَه، كذا قَدَّره الجمهور. وقال الزمخشري: " يحاربون رسولَ الله، ومحاربةُ المسلمين في حكم محاربته " يعني أنَّ المقصودَ أنْ يخبرَ بأنهم يحاربون رسولَ الله، وإنما ذَكَر اسمَ الله تبارك وتعالى تعظيماً وتفخيماً لِمَنْ يُحارَبُ، كقوله:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك وتقديرُه عند قوله:{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة: 9]. وقيل: معنى المحاربةِ المخالفةُ لأحكامهما، وعلى هذه الأوجهِ لا يلزَمُ في قوله تعالى: { يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } الجمعُ بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة، ومَنْ يُجِزْ ذلك لم يحتجْ إلى تأويلٍ من هذه التأويلات، بل يقول: تُحْمَلُ محاربتُهم لله تعالى على معنى يليق بها وهي المخالفة مجازاً، ومحاربتُهم لرسولِ على المقاتلة حقيقة. قوله: { فَسَاداً } في نصبه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه مفعول من أجلِه أي: يحاربُون ويَسْعون لأجل الفاسد، وشروطُ النصبِ موجودة الثاني: أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحال، أي: ويسعون في الأرض مفسدين، أو ذوي فساد، أو جُعِلوا نفسَ الفساد مبلغة، ثلاثةٌ مذاهبَ مشهورةٌ تقدَّم تحريرها. الثالث: أنه منصوبٌ على المصدر اي: إنه نوع من العامل قبله، فإن معنى " يَسْعَون " هنا يفسدون، وفي الحقيقة ففساد اسمُ مصدر قائمٌ مقامَ الإِفساد، والتقدير: ويُفْسِدون في الأرض بسعيهم إفساداً. " وفي الأرض " الظاهرُ أنه متعلق بالفعل قبله، كقوله:{ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ } [البقرة: 205]، وقد أُجيز أن يكونَ في محل نصب على الحال؛ لأنه يجوزُ أَنْ لو تأخَّرت عنه ان يكونَ صفةً له، وأُجيز أيضاً أن يتعلق بنفس " فساداً " وهذا إنما يتمشَّى إذا جَعَلْنا " فساداً " حالاً، أما إذا جَعَلْناه مصدراً امتنع ذلك لتقدُّمه عليه، ولأنَّ المؤكِّد لا يعمل. وقرأ الجمهور: " أَنْ يُقَتَّلوا " وما بعده من الفعلين بالتثقيل، ومعناه التكثير بالنسبة إلى مَنْ تقعُ به هذه الأفعالُ. وقرأ الحسن وابن محيصن بتخفيفِها. قوله: " من خِلافٍ " في محلِّ نصب على الحال من " أيديهم " و " أرجلُهم " أي بقَطْعٍ مختلِف، بمعنى أن تُقْطَعَ يَدُه اليمنى ورجلُه اليسرى. والنفي: الطرد، والأرض: المراد بها هنا ما يريدون الإِقامة بها، أو يُرادُ مِنْ أرضهم، وأل عوضٌ من المضاف إليه عند مَنْ يراه. قوله: { ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا }: " ذلك " [إشارةٌ إلى الخبر المتقدم أيضاً]، وهو مبتدأُ. وقوله: { لَهُمْ خِزْيٌ } فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكونَ " لهم " خبراً مقدماً، و " خِزْيٌ " مبتدأ مؤخراً و " في الدنيا " صفةً له، فيتعلَّق بمحذوف، أو يتعلق بنفس " خزي " على أنه ظرفُه، والجملةُ في محل رفع خبراً لـ " ذلك " الثاني: أن يكون " خزي خبراً لـ " ذلك " ، و " لهم " متعلقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من " خِزْي "؛ لأنه في الأصلِ صفةٌ له، فلمَّا قُدِّم انتصب حالاً.