قوله تعالى: { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ }: فيه وجهان، أظهرُهما: أنه متعلق بـ " كتبنا " ، و " ذلك إشارةٌ إلى القتل، والأجْلُ في الأصل هو الجناية، يقال: أَجَلَ الأمر إجْلاً وأَجْلاً بفتح الهمزة وكسرها إذا جَناه وحدَه ومنه قولُ زهير:
1719- وأهلِ خباءٍ صالحٍ ذاتُ بينِهم
قد احتربوا في عاجلٍ أنا آجِلُهْ
أي: جانيه، ومعنى قول الناس: " فَعَلْتُه من أجْلِك ولأجلك " أي: بسببك، يعني مِنْ أَنْ جَنَيْتَ فَعْلَه وأوجبته، وكذلك قولهم: " فَعَلْتُه من جَرَّائك " أصله مِنْ أَنْ جَرَرْتُه، ثم صار يستعمل بمعنى السبب، ومنه الحديث: " مِنْ جَرَّاي " أي من أجلي. و " من " لابتداء الغاية أي: نشأ الكَتْبُ وابتدأ من جناية القتل، ويجوزُ حَذْفُ " مِنْ " واللام وانتصابُ " أَجْل " على المفعول له إذا استكمل الشروط، قال:
1720- أَجْلَ أنَّ اللّهَ قد فَضَّلكمْ
.....................
والثاني - أجازَه بعضُ الناس - أن يكونَ متعلقاً بقوله: " مِن النادمين " أي: ندم من أجل ذلك: أي: قَتْلِه أخاه، قال أبو البقاء: " ولا تتعلق بـ " النادمين " لأنه لا يحسن الابتداء بـ " كتبنا " هنا، وهذا الرد غير واضح، وأين عدمُ الحسنِ بالابتداء بذلك.؟ ابتدأ الله إخباراً بأنه كَتَب ذلك، والإِخبارُ متعلق بقصة ابنَيْ آدم، إلا أنَّ الظاهرَ خلافُه كما تقدم. والجمهورُ على فتح همزة " أجل " ، وقرأ أبو جعفر بكسرها، وهي لغة كما تقدم، ورُوي عنه حذفُ الهمزة وإلقاءُ حركتها وهي الكسرة على نون " من " ، كما ينقل ورش فتحتها إليها. والهاء في " أنه " ضمير الأمر والشأن، و " مَنْ " شرطيةٌ مبتدأ، وهي خبرُها في محل رفع خبراً لـ " أن ". قوله: " بغير نفسٍ " فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بالقتل قبلها. والثاني: أنه في محلِّ حالٍ من ضمير الفاعل في " قَتَل " أي: قتلها ظالماً، ذكره أبو البقاء. قوله: { أَوْ فَسَادٍ } الجمهور على جره، عطفاً على " نفس " المجرور بإضافةِ " غير " إليها. وقرأ الحسن بنصبه، وفيه وجهان، أظهرهما: أنه منصوبٌ على المفعولِ به بعاملٍ مضمرٍ يَليقُ بالمحلِّ أي: أو أتى - أو عمل - فساداً والثاني: أنه مصدرٌ، والتقدير: أو أَفْسَدَ فساداً بمعنى إفساداً، فهو اسمُ مصدرٍ كقوله:
1721-.....................
وبعد عطائِكَ المئةَ الرِّتاعا
ذكره أبو البقاء و " في الأرض " متعلقٌ بنفس " فساد " لأنك تقول: " افسد في الأرض " إلا في قراءةِ الحسن بنصبه، وخَرَّجناه على النصب على المصدريةِ - كما ذكره أبو البقاء - فإنه لا يتعلَّقُ به، لأنه مصدر مؤكد فقد نَصُّوا على أن المؤكِّدة لا يعمل، فيكون " في الأرض " متعلقاً بمحذوف على أنه صفةٌ لـ " فساداً " والفاء في: " فكأنما " في الموضعين جواب الشرط واجبةُ الدخولِ، و " ما " كافةٌ لحرفِ التشبيه، والأحسن / أَنْ تُسَمَّى هنا مهيئةً لوقوعِ الفعلِ بعدها.