الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { فَطَوَّعَتْ }: الجمهورُ على " طَوَّعت " مشددَ الواو من غير ألفٍ بمعنى " سَهَّلَتْ وبعثت " قال الزمخشري: " وسَّعَتْه وَيسَّرَتْه من " طاع له المرتعُ " إذا اتسع " انتهى. والتضعيفُ فيه للتعدية لأنَّ الأصلَ: طاعَ له قتلُ أخيه، أي: انقادَ، من الطواعية فَعُدِّي بالتضعيف، فصار الفاعلُ مفعولاً كحالِه مع الهمزة. وقرأ الحسن وزيد بن علي وجماعةٌ كثيرة: " فطاوعت " ، وأبدَى الزمخشري فيها احتمالين، أحدُهما: أن يكونَ مِمَّا جاء فيه فاعَلَ لغير مشاركه بين شيئين، بل بمعنى فَعَّل نحو: ضاعفتُه وضَعَّفْته وناعمته ونَعَمْتُه، وهذان المثالان من أمثلةِ سيبويه، قال: " فجاؤوا به على مثال عاقَبْتُه " قال: " وقد تجيء فاعَلْتُ لا تريد بها عملَ اثنين، ولكنهم بَنَوا عليه الفعلَ كما بَنَوه على أَفْعَلْتُ " وذكر أمثلةً منها " عافاه الله " وقَلَّ مَنْ ذَكَر أنَّ فاعَلَ يَجيءُ بمعنى فَعَّلْتُ. والاحتمال الثاني: أن تكن على بابها من المشاركة وهو أنَّ قَتْلَ أخيه كأنه دعا نفسَه إلى الإِقدامِ عليه فطاوَعَتْه " انتهى. وإيضاحُ العبارةِ في ذلك أَنْ يُقال: جَعَل القتلَ يدعو إلى نفسه لأجل الحَسَدِ الذي لحق قابيل، وجَعَلَتِ النفسُ تَأْبى ذلك وتشمئز منه، فكلُّ منهما - أعني القتلَ والنفسَ - كأنه يريد من صاحبه أن يطيعَه إلى أن غَلَب القتلُ النفسَ فطاوعته.

و " له " متعلقٌ بـ " طَوَّعت " على القراءتين. قال الزمخشري: و " له " لزيادة الربط، كقولك: حَفِظْتُ لزيدٍ مالَه " يعني أنه الكلام تام بنفسه لو قيل: فَطَوَّعَتْ نفسُه قتلَ اخيه، كما كانَ كذلك في قولك " حَفِظْتُ مالَ زيد " فأتى بهذه اللامِ لقوةِ ربطِ الكلام. وقال أبو البقاء " وقال قوم: طاوَعَتْ تتعدَّى بغير لام، وهذا خطأ، لأنَّ التي تتعدى بغير اللام تتعدَّى لمفعولٍ واحد، وقد عَدَّاه هنا إلى قَتْل أخيه، وقيل: التقدير: طاوعَتْه نفسُه على قَتْلِ أخيه، فزادَ اللامَ وحَذَفَ " على " أي: زاد اللام في المفعولِ به وهو الهاء، وحَذَفَ " على " الجارَّة لـ " قتل أخيه ".