الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { بِٱلْحَقِّ }: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه حال من فاعل " اتلُ " أي: اتلُ ذلك حالَ كونِك ملتبساً بالحق أي: بالصدق.

الثاني: أنه حالٌ من مفعولِه وهو " نبأ " أي: اتلُ نبأَهما ملتبساً بالصدق موافقاً لِما في كتب الأولين لتثبتَ عليهم الحجةُ برسالتك. الثالث: أنه صفةٌ لمصدرِ " اتلُ " أي: اتل ذلك تلاوةً ملتبسةً بالحقِّ والصدق، وكأنه اختيار الزمخشري إذ به بدأ، وعلى الأوجهِ الثلاثةِ فالباء للمصاحبة، وهي متعلقةٌ بمحذوفٍ. وقرأ أبو عمرو بسكون الميم من " آدم " قبل باءِ " بالحق " ، وكذا كلُّ ميمٍ قبلها متحركٌ وبعدها باءٌ.

قوله: { إِذْ قَرَّبَا } فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها - وبه بدأ الزمخشري وأبو البقاء - أن يكونَ متعلقاً بنفسِ النبأ، أي: قصتُهما وحديثهما في ذلك الوقتِ، وهذا واضحٌ. الثاني: أنه بدلٌ من " نبأ " على حذف مضافٍ تقديرُه: واتلُ عليهم النبأَ نبأَ ذلك الوقتِ، كذا قَدَّره الزمخشري. قال الشيخ: " ولا يجوزُ ما ذَكَر لأنَّ " إذ " لا يُضافُ إليهما إلا الزمانُ، و " نبأ " ليس بزمان. الثالث: ذكَره أبو البقاء - أنه حالٌ من " نبأ " وعلى هذا فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، لكن هذا الوجهَ غيرُ واضحٍ، قال أبو البقاء: " ولا يكونُ ظرفاً لـ " اتلُ " قلت: لأنَّ الفعلَ مستقبل و " إذ " وقتٌ ماضٍ فيكف يتلاقيان؟

والقُرْبان: فيه احتملان، احدُهما: وبه قال الزمخشري - أنه اسمٌ لِما يُتَقَرَّب به، قال: " كما أنَّ الحُلْوان اسم ما يُحَلِّي أو يُعْطي يقال: " قَرَّبَ صدقةً وتقرَّب بها " لأن " تقرَّب " مطاوعُ " قَرَّب " قال الأصمعي: " تَقَرَّبوا قِرْفَ القِمَع " فيُعَدَّى بالباء حتى يكون بمعنى قَرَّب " أي: فيكونُ قوله: { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً } يَطْلُبُ مطاوعاً له، فالتقدير: إذ قَرَّباه فتقرَّبا به، وفيه بُعْدٌ. قال الشيخ: " وليس " تقرَّب بصدقة " مطاوع " قَرَّب صدقة " لاتحاد فاعلِ الفعلين، والمطاوعةُ يختلف فيها الفاعل يكونُ من أحدِهما فعلٌ ومن الآخر انفِعال نحو: كَسَرْتُه فانكسر وفَلَقْتُه فانقلق، فليس قَرَّب صدقته وتقرَّب بها من هذا الباب، فهو غلط فاحش ". وفيما قاله الشيخ نظرٌ، لأنَّا لا نسَلِّم هذه القاعدة. والاحتمال الثاني: أن يكونَ في الأصلِ مصدراً ثم أُطلق على الشيء المتقرَّب به كقولهم: " نَسْج اليمن " و " ضَرْب الأمير " ويؤيِّد ذلك أنه لم يُثَنَّ والموضعُ موضعُ تثنية؛ لأنَّ كلاً من قابيل وهابيل له قُرْبان يَخُصُّه، فالأصلُ: إذ قَرَّبا قربانين وإنما لم يُثَنَّ لأنه مصدرٌ في الأصل. وللقائل بانه اسمُ ما يُتَقَرَّب [به] لا مصدرٌ أن يقولَ: إنما لم يُثَنَّ،.

السابقالتالي
2