الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله تعالى: { يَهْدِي }: فيه خمسة أوجه، أظهرها: انه في محل رفع لأنه صفة ثانية لـ " كتاب " وَصَفه بالمفرد ثم بالجملة وهو الأصل. الثاني: أن يكون صفة أيضاً لكن لـ " نور " ذَكَره أبو البقاء، وفيه نظر، إذ القاعدة انه إذا اجتمعت التوابعُ قُدِّم النعتُ على عطف النسق تقول: " جاء زيدٌ العاقلُ وعمرو " ولا تقول: " جاء زيدٌ وعمرو العاقل " ولأن فيه إلباساً أيضاً. الثالث: أن يكونَ حالاً من " كتاب " لأنَّ النكرة لَمَّا تخصصت بالوصفِ قَرُبَتْ من المعرفة، وقياسُ قول أبي البقاء أنه يجوز أن يكونَ حالاً من " نور " كما جاز أن يكون صفة له. الرابع: أنه حال من " رسولنا " بدلاً من الجملة الواقعة حالاً له وهي قوله " يبين " الخامس: أنه حالٌ من الضمير في " يبيِّن " ذكرهما أبو البقاء ولا يَخْفى ما فيها من الفصل، ولأنَّ فيه ما يُشْبه تهيئة العامل للعمل وقطعَه عنه.

والضميرُ في " به " يعودُ على مَنْ جَعَلَ " يَهْدي " حالاً منه أو صفة له، قال أبو البقاء: " فلذلك أُفْرِد، أي: إنَّ الضمير في " به " أتى به مفرداً، وقد تقدَّمه شيئان، وهما نورٌ وكتابٌ، ولكنْ لَمَّا قَصَد بالجملة من قوله " يهدي " الحالَ أو الوصفَ من أحدهما أفردَ الضمير، وقيل: الضمير في " به " يعودُ على الرسول. وقيل: يعودُ على السلام، وعلى هذين القولين لا تكونُ الجملة من قوله " يهدي " حالاً ولا صفةً لعدم الرابط. و " مَنْ " موصولةٌ أو نكرة موصوفة، وراعى لفظَها في قوله " اتَّبع " فلذلك أفرد الضمير، ومعناها، فلذلك جَمَعَه في قوله: { وَيُخْرِجُهُمْ }.

وقرأ عبيد بن عمير ومسلم بن جندب والزهري: " بهُ " بضمِّ الهاء حيث وقع، وقد تقدم أنه الأصل. وقرأ الحسن: " سُبْل " بسكون الباء، وهو تخفيف قياسي به كقولهم في " عُنُق ": " عُنْق " ، وهذا أولى لكونه جمعاً، وهو مفعول ثاني لـ " يهدي " على إسقاط حرف الجر أي: إلى سبل، وتقدم تحقيق نظيره، ويجوز أن ينتصب على أنه بدلٌ من " رضوانه ": إمَّا بدلُ كل مِنْ كل؛ لأن " سبل السلام " هي رضوان الباري تعالى، وإمَّا بدل اشتمال لأن الرضوان مشتمل على سبل السلام، أو لأنها مشتملة على رضوان الله تعالى، وإما بدل بعض من كل، لأنَّ سبل السلام بعض الرضوان. و " بإذنه " متعلق بـ " يخرجهم " أي بتيسيره أو بأمره، والباء للحال أي: مصاحبين لتيسيره، أو للسببية، أي: بسببِ امره المنزل على رسوله.