الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ } هل هذا القولُ وقعَ وانقضَى أو سيقع يومَ القيامة؟ قولان للناس، فقال بعضُم: لَمَّا رفعه إليه قال له ذلك، وعلى هذا فـ " إذ " و " قال " على موضوعهما من المُضِيِّ وهو الظاهر. وقال بعضُهم: سيقولُه له يوم القيامة وعلى هذا فـ " إذا " بمعنى " إذا " ، " وقال " بمعنى " يقول " وكونُها بمعنى " إذا " أهونُ من قول أبي عُبيد إنها زائدة؛ لأنَّ زيادةَ الأسماء ليست بالسهلة.

قوله: { أَأَنتَ قُلتَ } دَخَلَتِ الهمزةُ على المبتدأ فائدةٍ ذكرها أهل البيان وهو: أن الفعلَ إذا عُلِم وجودُه وشُكَّ / في نسبته إلى شخص أُولِي الاسمُ المشكوكُ في نسبة الفعل إليه للهمزة فيقال: " أأنت ضرب زيداً " فَضَرْبُ زيدٍ قد صدر في الوجود وإنما شُكَّ في نسبته إلى المخاطب، وإنْ شُكَّ في اصل وقوع الفعل أُولِي الفعلُ للهمزة فيقال: " أضربْتَ زيداً " لم تَقْطَعْ بوقوعِ الضرب بل شَكَكْتَ فيه، والحاصل: أنَّ الهمزةَ يليها المشكوك فيه، جئنا إلى الآية الكريمة فالاستفهامُ فيها يُراد به التقريعُ والتوبيخُ بغيرِ عيسى عليه السلام وهم المتَّخذون له ولأمة الهين، دَخَل على المبتدأ لهذا المعنى الذي قد ذكرته، لأن الاتخاذَ قد وقع لا بد. واللام في " للناس " للتبليغ فقط، و " اتخذوني " يجوز أن تكون بمعنى " صَيَّر " فتتعدَّى لاثنين ثانيهما " إلهين " وأن تكونَ المتعدية لواحد فـ " إلهين " حالٌ. و " من دون الله " فيه وجهان، أظهرهما: أنه متعلقٌ بالاتخاذ وأجاز أبو البقاء - وبه بدأ - أن يكون متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ " آلهين ".

قوله: { سُبْحَانَكَ } أي: تنزيهاً، وتقدَّم الكلامُ عليه في البقرة مشبعاً، ومتعلَّقُه هنا محذوفٌ فقدَّره الزمخشري: سبحانك من أن يكونَ لك شريكٌ " وقَدَّره ابن عطية: " عن أَنْ يُقال هذا وينطق به " ورجَّحه الشيخ لقوله بعد: { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ } قوله: { أَنْ أَقُول } في محلِّ رفع لأنه اسمُ " يكون " ، والخبرُ في الجار قبله، أي: ما ينبغي لي قولُ كذا. و " ما " يجوزُ أن تكونَ موصولةً أن نكرةً موصوفة. والجملةُ بعدها صلةٌ فلا محلَّ لها، أو صفةٌ فمحلُّها النصبُ، فإنّ " ما " منصوبةٌ بـ " اقول " نصبَ المفعول به لأنها متضمنةٌ لجملة فهو نظيرُ " قلت كلاماً " ، وعلى هذا فلا يُحتاج أن يُؤَوَّل " أقول " بمعنى أَدَّعِي أو أذكر، كما فعله أبو البقاء. وفي " ليس " ضميرٌ يعودُ على ما هو اسمُها، وفي خبرِها وجهان، أحدهما: أنه " لي " أي: ما ليس مستقراً لي وثابتاً، وأمَّا " بحق " على هذا ففيه ثلاثةُ أوجه، ذكر أبو البقاء منها وجهين، احدُهما أنه حالٌ من الضمير في " لي " قال: والثاني: أن يكونَ مفعولاً به تقديره: ما ليسَ يَثْبُتُ ليس بسببِ حق، فالباءُ متعلقةٌ بالفعلِ المحذوف لا بنفسِ الجارِّ، لأنَّ المعاني لا تعمل في المفعول به ".

السابقالتالي
2 3