الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُ }: في نصبِه أحدَ عشرَ وجهاً، أحدها: أنه منصوبٌ بـ " اتقوا " أي: اتقوا اللَّهَ في يومِ جَمْعِه الرسلَ قاله الحوفي، وهذا ينبغي ألاَّ يجوزَ لأنَّ أمرَهم بالتقوى في يوم القيامة لا يكون، إذ ليس بيومِ تكليفٍ وابتلاء، ولذلك قال الواحدي: ولم " يُنْصَب اليوم الظرفِ للاتقاء، لأنهم لم يُؤْمَروا بالتقوى في ذلك اليوم، ولكن على المفعول به كقوله:وَٱتَّقُواْ يَوْماً } [البقرة: 48]. الثاني: أنه منصوب بـ " اتقوا " مضمراً يدل عليه " واتقوا الله " قال الزجاج: " هو محمول على قوله: " واتقوا الله " ثم قال: " يوم يجمع " أي: واتقوا ذلك اليوم " ، فدلَّ ذِكْرُ الاتقاء في الأول على الاتقاء في هذه الآية، ولا يكون منصوباً على الظرف للاتقاء لأنهم لم يُؤْمروا بالاتقاء في ذلك اليوم، ولكن على المفعول به كقوله تعالى:وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } [البقرة: 48]. الثالث: أنه منصوب بإضمار " اذكروا " الرابع: بإضمار " احذروا " الخامس: أنه بدل اشتمال من الجلالة. قال الزمخشري: " يوم يجمع " بدلٌ من المنصوب في " واتقوا الله " وهو من بدلِ الاشتمال كأنه قيل: واتقوا الله يوم جَمْعِه " انتهى، ولا بد من حذفِ مضافٍ على هذا الوجهِ حتى تَصِحَّ له هذه العبارةُ التي ظاهرها ليس بجيدٍ، لأنَّ الاشتمالَ لا يُوصَفُ به الباري تعالى أيِّ مذهبٍ فَسَّرناه من مذاهبِ النحويين في الاشتمالَ، والتقديرُ: واتقوا عقابَ الله يومَ يجمعُ رسلَه، فإنَّ العقابَ مشتملٌ على زمانِه، أو زمانه مشتملٌ عليه، أو عاملُها مشتملٌ عليهما على حَسَبِ الخلافِ في تفسيرِ البدلِ الاشتمالي، فقد تبيَّن لك امتناعُ هذه العباراتِ بالنسبةِ إلى الجلالةِ الشريفة. واستبعد الشيخ هذا الوجهَ بطولِ الفصلِ بجملتين، ولا بُعْدَ فإنَّ هاتين الجملتين من تمامِ معنى الجملةِ الأولى. السادسُ: أنَّه منصوبٌ بـ " لا يَهْدي " قال الزمخشري وأبو البقاء. قال الزمخشري: " أي: لا يهديهم طريقَ الجنة يومئذ كما يُفْعَلُ بغيرهم ". وقال أبو البقاء: " أي: لا يهديهم في ذلك اليومِ إلى حُجَّة أو إلى طريق الجنة ".

السابع: أنه مفعولٌ به وناصبُه " اسمعوا " ولا بد من حذف مضاف حينئذ لأنَّ الزمان لا يسمع، فقدَّره أبو البقاء: " واسمعوا خبر يوم يجمع " ولم يذكر أبو البقاء غيرَ هذين الوجهين وبدأ بأولهما. وفي نصبِه بـ " لا يَهْدي " نظر من حيث إنه لا يهديهم مطلقاً لا في ذلك اليوم ولا في الدنيا، أعني المحكومَ عليهم بالفسق، وفي تقدير الزمخشري " لايهديهم إلى طريق الجنة " نُحُوٌّ إلى مذهبه من أنّ نَفْي الهداية المطلقة لا يجوز على الله تعالى، ولذلك خَصَّص المُهْدَى إليه ولم يذكر غيره، والذي سَهَّل ذلك عنده أيضاً كونُه في يومٍ لا تكليفَ فيه، وأما في دار التكليف فلا يُجيز المعتزلي أن يُنْسَبَ إلى الله تعالى نَفْيُ الهدايةِ مطلقاً البتة.

السابقالتالي
2 3 4