الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }

قوله تعالى: { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ }: هذه الآية وما بعدها من أشكلِ القرآنِ حُكْماً وإعراباً وتفسيراً، ولم يَزَلِ العلماء يستشكلونها ويَكِعَّون عنها حتى قال مكي بن أبي طالب - رحمه الله- في كتابه المسمى بالكشف: " هذه الآيةُ في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامِها من أصعب آيٍ في القرآن وأشكلِها، قال: " ويحتمل أن يُبْسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر " قال: وقد ذكرناها مشروحة في كتاب مفرد ". وقال ابن عطية: " وهذا كلام من لم يقع له الثلج في تفسيرها، وذلك بَيِّنٌ من كتابه " وقال السخاوي: " لم أر أحداً من العلماء تَخَلَّص كلامُه فيها من أولها إلى آخرها ". وقال الواحدي: " وهذه الآية وما بعدها من أغوص ما في القرآن معنى وإعراباً " قلت: وأنا أستعين الله تعالى في توجيه إعرابها واشتقاق مفرداتها وتصريف كلماتها وقراءاتها ومعرفة تأليفها مِمَّا يختصُّ بهذا الموضوع، وأمَّا بقية علومها فنسأل الله العون في تهذيبه في كتابي " تفسير القرآن العزيز " إنْ شاء الله، وبه الحول والقوة.

قرأ الجمهور { شهادةُ بينكم } برفع " شهادة " مضافة لـ " بينكم ". وقرأ الحسن والأعرج والشعبي برفعها منونة، " بينَكم " نصباً. والسلمي والحسن والأعرج - في رواية عنهما - " شهادةً " منونةً منصوبة، " بينَكم " نصباً. فأمَّا قراءة الجمهور ففي تخريجهما خمسة أوجه، أحدها: أنها مرفوعةٌ بالابتداء، وخبرُها " اثنان " ولا بد على هذا الوجهِ من حذف مضافٍ: إمَّا من الأول، وإمَّا من الثاني، فتقديرُه من الأول: ذوا شهادةِ بينكم اثنان، أي صاحبا شهادةِ بينكم اثنان، وتقديرُه من الثاني: شهادةُ بينِكم شهادُة اثنين، وإنما اضطررنا إلى حذفٍ من الأول أو الثاني ليتصادقَ المبتدأ والخبر على شيء واحد، لأنَّ الشهادةَ معنًى والاثنان جثتان، ولا يجيء التقديران المذكوران في نحو: " زيدٌ عدلٌ " وهما جعله نفسَ المصدر مبالغةً أو وقوعُه اسم الفاعل، لأنَّ المعنى يأباهما هنا، إلا أنَّ الواحدي نقل عن صاحب " النظم " أنه قال: " شهادة " مصدرٌ وُضِع مَوْضِع الأسماء " يريد بالشهادة الشهود، كما يقال: رجلٌ عَدْلٌ ورِضا، ورجالٌ عدلٌ ورِضا وزَوْر، وإذا قَدَّرْتها بمعنى الشهود كان على حذف المضاف، ويكون المعنى: عدةُ شهودٍ بينكم اثنان، واستشهد بقوله:ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ } [البقرة: 197] أي: وقت الحج، ولولا ذلك لنصب أشهراً على تأويل: الحج في اشهر ". قلت فعلى ظاهر أنه جَعَلَ المصدر نفسَ الشهود مبالغةً، ولذلك مَثَّله بـ " رجال عدل " وفيه نظر. الثاني: أن ترتفع على أنها مبتدأ أيضاً، وخبرها محذوف يَدُلُّ عليه سياق الكلام، و " اثنان " على هذا مرتفعان بالمصدر الذي هو " شهادة " والتقدير: فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، كذا قَدَّره الزمخشري وهو أحد قولي الزجاج، وهو ظاهرُ جداً، و " إذا " على هذين الوجهين ظرف لـ " شهادة " أي ليُشْهَد وقت حضور الموت - أي أسبابه - و " حين الوصية " على هذه الأوجه فيه ثلاثة أوجه، أوجهها: أنه بدلٌ من " إذا " ولم يذكر الزمخشري غيره، قال: " وفي إبدالِه منه دليلٌ على وجوبِ الوصية ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد