الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قوله تعالى: { قَدْ سَأَلَهَا }: الضميرُ في " سألها " ظاهرُه يعود على " أشياء " لكن قال الزمخشري: " فإنْ قلت: كيف قال: لا تَسْالوا عن أشياء، ثم قال: " قد سَألَها " ولم يقل سَألَ عنها؟ قلت: [الضميرُ في سألها] ليس يعودُ على أشياءَ حتى يَتَعدَّى إليها بـ " عن " ، وإنما يعودُ على المسألةِ المدلولِ عليها بقوله: " لا تَسْألوا " أي: قد سأل المسألةَ قومٌ، ثم أصبحوا بها - أي بمرجوعِها - كافرين " ونحا ابن عطية مَنْحاه. قال الشيخ: " ولا يتجه قولُهما إلى حذف مضاف، وقد صَرَّح به بعضُ المفسرين، أي: قال سأل أمثالَها أي: أمثالَ هذه المسألة أو أمثالَ هذه السؤالات ". وقال الحوفي في " سألها ": " الظاهرُ عَوْدُ الضميرِ على " أشياء " ولا يتجه حَمْلُه على ظاهرِه لا مِنْ جهة اللفظ العربي ولا من جهةِ المعنى، أمَّا من جهة اللفظ فلأنه كان ينبغي أن يُعْدَّى بـ " عن " كما عُدِّي في الأول، وأمَّا من جهةِ المعنى فلأن المسؤولَ عنه مختلِفٌ قطعاً، فإنَّ سؤالهم غيرُ سؤالِ مَنْ قبلهم، فإنَّ سؤالَ هؤلاء مثلُ مَنْ سأل: أين ناقتي وما بطن ناقتي، وأين أبي وأين مَدْخَلي؟ وسؤالُ أولئك غيرُ هذا نحو:أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً } [المائدة: 114]أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } [النساء: 153]ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } [الأعراف: 138] ونحوه. وقال الواحدي: - ناقلاً عن الجرجاني - " وهذا السؤالُ في الايات يخالِفُ معنى السؤال في قوله: { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } ألا ترى أنَّ السؤال في الآية الأولى قد عُدِّي بالجار، وها هنا لم يُعَدَّ بالجار، لأن السؤالَ ها هنا طَلَبٌ لعينِ الشيء نحو: " سَأَلْتُك درهماً " أي طلبته منك، والسؤالُ في الآية الأولى سؤالٌ عن حالِ الشيء وكيفيتِه، وإنما عَطَفَ بقوله { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ } على ما قبلَها وليست بمثلِها في التأويل، لأنه إنما نَهاهم عن تكليف ما لم يُكَلَّفوا، وهو مرفوعٌ عنهم " قلت: ويجوز أن يعودَ على " أشياء " لفظاً لا معنىً كما قال النحويون في مسألة: " عندي درهمٌ ونصفُه " أي: ونصفُ درهمٍ آخرَ، ومنه:
1814- وكلُّ أُناسٍ قاربوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ   ونحنُ خَلَعْنا قيدَه فَهْوَ سارِبُ
قوله: { مِّن قَبْلِكُم } متعلق بقوله: { سَأَلَهَا } فإنْ قيل: هل يجوزُ أن يكونَ صفةً لقوم؟ قلت: منعَ من ذلك جماعةٌ معتلِّين بأنَّ ظرف الزمان لا يقعُ خبراً ولا صفةً ولا حالاً عن الجثة، وقد تقدَّم لك نحوٌ من هذا في أولِ البقرة عند قوله:وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [الآية: 21]، فإنَّ الصلةَ كالصفة، و " بها " متعلق بـ " كافرين " وإنما قُدِّم لأجلِ الفواصلِ. والنخعي قرأ: " سالها " بالامالة من غير همزٍ وهما لغتان، ومنه يَتَساولان فإمالتُه لـ " سأل " كإمالة حمزة " خاف " وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البقرةِ عندفَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } [الآية: 61] وسَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الآية: 211].