الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { وَلَمَّا يَدْخُلِ }: هذه الجملةُ مستأنفةٌ أخبر تعالى بذلك. وجعلها الزمخشريُّ حالاً من الضميرِ في " قولوا ". وقد تقدَّم الكلامُ في " لَمَّا " وما تدلُّ عليه والفرقُ بينها وبينَ " لم ". وقال الزمخشري: " فإنْ قلت: هو بعدَ قولِه: " لم تؤمنوا " يُشْبِهُ التكريرَ من غير استقلالٍ بفائدةٍ مُتَجدِّدة. قلت: ليس كذلك فإنَّ فائدةَ قولِه: " لم تؤمنوا " هو تكذيبُ دَعْواهم. و " لَمَّا يَدْخُل " توقيتٌ لِما أُمِروا به أَنْ يقولوه " ثم قال: " وما في " لَمَّا " مِنْ معنى التوقع دليلٌ على أنَّ هؤلاء قد آمنوا فيما بعدُ ". قال الشيخ: " ولا أدري مِنْ أيِّ وجه يكونُ المنفيُّ بـ " لَمَّا " يقعُ بعدُ "؟ قلت: لأنَّها لنفيِ قد فَعَلَ، و " قد " للتوقع.

قوله: { لاَ يَلِتْكُمْ } قرأ أبو عمروٍ و " لا يَأْلِتْكُمْ " بالهمز مِنْ أَلَتَه يَأْلُتُهُ بالفتح في الماضي، والكسرِ والضم في المضارع، والسوسيُّ يُبْدل الهمزةَ ألفاً على أصلِه. والباقون " يَلِتْكم " مِنْ لاته يَليتُه كباعه يَبيعه، وهي لغةُ الحجازِ، والأولى لغة غطفانَ وأَسَدٍ. وقيل: هي مِنْ وَلَتَه يَلِتُه كوَعَده يَعِدُه، فالمحذوفُ على القولِ الأول عينُ الكلمةِ ووزنُها يَفِلْكم، وعلى الثاني فاؤُها ووزنها يَعِلْكم. ويقال أيضاً: ألاتَه يُليته/ كأَباعه يُبِيعه، وآلتَهَ يُؤْلِتُه كآمَنَ يُؤْمِنُ. وكلُّها لغاتٌ في معنى: نَقَصَه حَقَّه. قال الحطيئة:
4087ـ أَبْلِغْ سَراةَ بني سعدٍ مُغَلْغَلَةً   جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتاً ولا كَذِباً
وقال رؤبة:
4088ـ وليلةٍ ذاتِ ندىً سَرَيْتُ   ولم يَلِتْني عن سُراها ليتُ
أي: لم يَمْنَعْني ويَحْبِسْني.