الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ }: يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، لأنه لَمَّا تقدَّمَ: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ } دَلَّ على ذلك المقدَّرِ أي: هو أي: الرسولُ بالهدى محمدٌ، و " رسولُ " بدلٌ أو بيانٌ أو نعتٌ، وأن يكونَ مبتدأً أو خبراً، وأن يكونَ مبتدأً و " رسولُ اللَّهِ " على ما تقدَّم من البدلِ والبيانِ والنعتِ. و " الذين معه " عطفٌ على " محمدٌ " والخبرُ عنهم قوله: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ }. وابن عامر في روايةٍ " رسولَ الله " بالنصبِ على الاختصاصِ، وهي تؤيِّدُ كونَه تابعاً لا خبراً حالةَ الرفعِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ " والذين " على هذا الوجه مجروراً عطفاً على الجلالة أي: ورسولُ الذين آمنوا معه؛ لأنه لَمَّا أُرْسِل إليهم أُضيف إليهم فهو رسولُ اللَّهِ بمعنى: أنَّ اللَّهَ أرسله، ورسولُ أمتِه بمعنى: أنه مُرْسَلٌ إليهم، ويكون " أشدَّاءُ " حينئذٍ خبرَ مبتدأ مضمر أي: هم أشدَّاء. ويجوزُ أَنْ يكونَ تَمَّ الكلام على " رسولُ الله " و " الذين معه " مبتدأٌ و " أشدَّاءُ " خبره.

وقرأ الحسن " أشداءَ، رحماءَ " بالنصبِ: إمَّا على المدحِ، وإمَّا على الحال من الضميرِ المستكنِّ في " معه " لوقوعِه صلةً، والخبرُ حينئذٍ عن المبتدأ.

قوله: { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } حالان؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّةٌ، وكذلك " يَبْتَغُون " يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً، وإذا كانَتْ حالاً فيجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثالثةً مِنْ مفعول " تَراهم " وأن تكونَ من الضمير المستترِ في " رُكَّعاً سجداً ". وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ " سُجَّداً " حالاً مِنَ الضمير في " رُكَّعاً " حالاً مقدرة. فعلى هذا يكونُ " يَبْتَغون " حالاً من الضميرِ في " سُجَّداً " فتكونُ حالاً مِنْ حال، وتلك الحالُ الأولى حالٌ مِنْ حال أخرى.

وقرأ ابن يعمر " أَشِدَّا " بالقصرِ، والقصرُ مِنْ ضرائر الأشعار كقوله:
4081 ـ لا بدَّ مِنْ صَنْعا وإنْ طالَ السَّفرْ   
فلذلك كانَتْ شاذَّةً. قال الشيخ: " وقرأ عمرو بن عبيد " ورُضوانا " بضم الراء ". قلت: هذه قراءةٌ متواترةٌ قرأها عاصمٌ في روايةِ أبي بكرٍ عنه قَدَّمْتها في سورة آل عمران، واستثنيتُ له حرفاً واحداً وهو ثاني المائدة.

وقُرِئ " سِيْمِياؤهم " بياء بعد الميمِ والمدِّ، وهي لغةٌ فصيحةٌ وأُنْشِد:
4082 ـ غلامٌ رَماه اللَّهُ بالحُسْن يافعاً   له سِيْمِياءُ لا تَشُقُّ على البصَرْ
وتقدَّم الكلامُ عليها وعلى اشتقاقِها في آخر البقرة. و " في وجوههِم " خبرُ " سِيماهم ".

قوله: { مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } حال من الضمير المستتر في الجارِّ، وهو " في وجوههم ".

السابقالتالي
2 3