الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ }

قوله: { أَن تَأْتِيَهُمْ }: بدلٌ من الساعة بدلُ اشتمالٍ. وقرأ أبو جعفر الرؤاسي: " إنْ تَأْتِهم " بـ إنْ الشرطيةِ، وجزمِ ما بعدها. وفي جوابِها وجهان، أحدهما: أنَّه قولُه: " فأنَّى لهم " قاله الزمخشريُّ. ثم قال: " فإنْ قلت: بِمَ يتصلُ قولُه: { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } على القراءتَيْن؟ قلت: بإتيان السَّاعةِ، اتصالَ العلةِ بالمعلولِ كقولك: إنْ أكرَمَني زيدٌ فأنا حقيقٌ بالإِكرامِ أُكْرِمْه ". والثاني: أنَّ الجوابَ قولُه: { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } ، وإتيانُ الساعةِ، وإنْ كان متحققاً، إلاَّ أنهم عُوْمِلوا مُعاملةَ الشاكِّ، وحالُهم كانت كذا.

والأَشْراط: جمع شَرْط بسكونِ/ الراءِ وفتحِها. قال أبو الأسود:
4060 ـ فإن كنتِ قد أَزْمَعْتِ بالصَّرْمِ بَيْنَنَا   فقد جَعَلَتْ أَشْراطُ أَوَّلِه تَبْدو
والأشراطُ: العلاماتُ، ومنه أَشْراط الساعةِ. وأَشْرَطَ الرجلُ نفسَه أي: ألزمها أموراً. قال أوس:
4061 ـ فأَشْرَطَ فيها نَفْسَه وهو مُعْصِمٌ   فأَلْقَى بأسبابٍ له وتَوَكَّلا
والشَّرْطُ: القَطْعُ أيضاً، مصدرُ شَرَطَ الجلدَ يَشْرِطُه (يَشْرُطُه) شَرْطاً.

قوله: " فَأَنَّى لهم " " أنَّى " خبرٌ مقدمٌ و " ذِكْراهم " مبتدأٌ مؤخرٌ أي: أنَّى لهم التذكيرُ. وإذا وما بعدها معترضٌ وجوابُها محذوفٌ أي: كيف لهم التذكيرُ إذا جاءَتْهم الساعةُ؟ فيكف يتذكَّرون؟ ويجوز أن يكونَ المبتدأُ محذوفاً أي: أنَّى لهم الخَلاصُ، ويكون " ذِكْراهم " فاعلاً بـ " جاءَتْهم ".

وقرأ أبو عمروٍ في رواية " بَغَتَّةً " بفتح الغينِ وتشديدِ التاء، وهي صفةٌ، فنصبُها على الحال، ولا نظيرَ لها في الصفات ولا في المصادر، وإنما هي في الأسماء نحو: الجَرَبَّة للجماعةِ، والشَّرَبَّة للمكان. قال الزمخشري: " ما أَخْوَفني أن تكونَ غَلْطَةً من الراوي عن أبي عمرو، وأَنْ يكونَ الصوابُ " بَغَتَةً " بالفتح دون تشديد ".