الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

قوله: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ }: فيه أوجهٌ، أحدها: أنه مبتدأٌ، وخبرُه مقدرٌ. فقدَّره النضر بن شميل: مثلُ الجنةِ ما تَسْمعون، فـ " ما تَسْمعون " خبرُه، و " فيها أنهارٌ " مُفَسِّرٌ له. وقَدَّره سيبويه: " فيما يُتْلَى عليكم مَثَلُ الجنة " ، والجملةُ بعدَها أيضاً مُفَسِّرةٌ للمَثل. الثاني: أن " مَثَل " زائدةٌ تقديرُه: الجنة التي وُعِدَ المتقون فيها أنهارٌ. ونظيرُ زيادةِ " مَثَل " هنا زيادةُ " اسم " في قولِه:
4055 ـ إلى الحَوْلِ ثم اسْمُ السَّلامِ عليكما   ........................
الثالث: أنَّ " مَثَل الجنة " مبتدأٌ، والخبر قولُه: " فيها أنهارٌ " ، وهذا ينبغي أَنْ يمتنعَ؛ إذ لا عائدَ من الجملةِ إلى المبتدأ، ولا ينْفَعُ كونُ الضميرِ عائداً على ما أُضيف إليه المبتدأ. الرابع: أنَّ " مَثَل الجنة " مبتدأٌ، خبرُه " { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } ، فقَدَّره ابنُ عطية: " أمَثَلُ أهلِ الجنة كمَنْ هو خالدٌ " ، فقدَّر حرفَ الإِنكارِ ومضافاً ليصِحَّ. وقدَّره الزمخشري: " أَمَثَلُ الجنةِ كمَثَلِ جزاءِ مَنْ هو خالدٌ ". والجملةُ مِنْ قولِه: " فيها أنهارٌ " على هذا فيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: هي حالٌ من الجنة أي: مستقرَّةٌ فيها أنهارٌ. الثاني: أنها خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ أي: هي فيها أنهارٌ، كأنَّ قائلاً قال: ما مَثَلُها؟ فقيل: فيها أنهار. الثالث: أَنْ تكونَ تكريراً للصلة؛ لأنَّها في حكمِها ألا ترى إلى أنَّه يَصِحُّ قولُك: التي فيها أنهار، وإنما عَرِيَ قولُه: " مَثَلُ الجنةِ " من حرفِ الإِنكار تصويراً لمكابرةِ مَنْ يُسَوِّي بين المُسْتَمْسِكِ بالبيِّنَةِ وبين التابِع هواه كمَنْ يُسَوِّي بين الجنة التي صفتُها كيتَ وكيتَ، وبين النارِ التي صفتُها أَنْ يُسْقَى أهلُها الحميمَ. ونظيرُه قولُ القائلِ:
4056 ـ أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ وأَنْ   أُوْرَثَ ذَوْداً شَصائِصاً نَبْلا
هو كلامٌ مُنْكِرٌ للفرح برُزْئِه الكرامَ ووِراثةِ الذَّوْدِ، مع تَعَرِّيه من حرف الإِنكارِ، ذكر ذلك كلَّه الزمخشريُّ بأطولَ مِنْ هذه العبارةِ.

وقرأ عليُّ بن أبي طالب " مثالَ الجنةِ ". وعنه أيضاً وعن ابن عباس وابن مسعود " أمثالُ " بالجمع.

قوله: " آسِنٍ " قرأ ابنُ كثير " أَسِنٍ " بزنة حَذِرٍ وهو اسمُ فاعلٍ مِنْ أَسِنَ بالكسرِ يَأْسَنُ، فهو أَسِنٌ كـ حَذِرَ يَحْذَر فهو حَذِرٌ. والباقون " آسِنٍ " بزنةِ ضارِب مِنْ أَسَنَ بالفتح يَأْسِن، يقال: أَسَن الماءُ بالفتح يَأْسِن ويَأْسُن بالكسرِ والضمِّ أُسُوْناً، كذا ذكره ثعلب في " فصيحه ". وقال اليزيدي: " يقال: أَسِن بالكسرِ يَأْسَنُ بالفتح أَسَناً أي: تَغَيَّر طعمُه. وأمَّا أسِن الرجلُ - إذا دَخَل بئراً فأصابه مِنْ ريحِها ما جعل في رأسِه دُواراً - فأَسِن بالكسرِ فقط.

السابقالتالي
2 3